ملاحظات اولية عن الثورة في تونس

Olfa LAMLOUM


  • fr
  • ar
  • الصيغة متعددة اللغات
  • الصيغة البسيطة

لا أحد يستطيع اليوم ان يتكهن بما سيؤول اليه المشهد السياسي في تونس على المدى المنظور ولا الى ما ستفضي اليه التعبئة والفراغ الدستوري الحاصلين. ذلك أن الوتيرة التي تجري به الاحداث داخليا واقليميا يفتح الوضع في البلد على احتمالات متعددة ولو أمكن تصنيفها على اختلاف تجليتها ونسقها الممكنين ، اذا استثنينا سيناريو الارتداد الكامل ، ضمن أفقين. يحيلنا الاول الى انجاز مهام الثورة السياسية بمعنى القطيعة الجذرية مع المنظومة القديمة (ordre ancien) بما يعني انشاء منظومة جديدة على انقاضها تنظيم مختلف دوائر السلطة من حيث صيغة تعيينها وصلوحيتها والقواعد القانونية والسياسية المنظمة للعلاقات فيما بينها. في حين يمكن اختزال الثاني في الاصلاح بما يشمل التخلي عن بعض آليات ورجالات وأداء النظام القديم بشكل يوفرلهذا الاخير موارد جديدة لكسب الشرعية وتعبئة الولاء (mobilisation du consentement)  لصالحه. فالمرحلة الانتقالية التي دشنها فرارإبن علي في 14 جانفي 2011 وسعت بشكل غير مسبوق في تاريخ تونس المعاصر حقل الممكن  (champ des possibles)على الصعيدين السياسي والاجتماعي مما يجعل من غير السديد تقديم قراءة للتحولات الجارية في غياب مساحة زمنية تتبلور فيها صورة اكثر اكتمالا للمشهد  يضمن التمييز بين ما هو عرضي وما هو مفصلي ناهيكم بعدم الجدية اليوم في استشراف المستقبل. وعليه فان مساهمتي هذه تامل فقط في سياق بعض الملاحظات وطرح بعض التسؤلات .

1- ربما السؤال الاول الذي يفرض نفسه لماذا دقت تونس ساعة ما يلوح اليوم كبداية زمن أفول المنظومة الاستبدادية (ordre autoritaire)  في الفضاء العربي ؟ هل كان نظام إبن علي حلقتها الاضعف ؟ أم هي الصدفة التاريخية المحضة التي اوقدها غضب واحتقان شعبيين انفجرا بفضل اضرام محمد البوعزيزي النار في نفسه؟ هل لتونس خصوصيات سهلت من اندلاع الانتفاضة الشعببية فيها ؟ وإن استحالت الاجابة عن هذا السؤال بشكل قطعي فان ذلك يدعو لاشك الى رجوع نقدي الى مجمل الابحاث الاكاديمية التي نشرت في السنوات الاخيرة حول هذا البلد والحال أن انكفاف الرقابة على الراي والعراقيل البوليسية بعد 14 جانفي يوفراليوم منافذ رحبة لاجراء دراسات ميدانية وشروط أنجع لبناء معرفة أكاديمية اقل تخمينية عن تحولات البنى الاجتماعية والسياسية في تونس على مدار العقدين الاخيرين. لقد صدرت في السنوات الاخيرة دراسات عديدة متخصصة حول نمط حكم إبن علي تناولت في جزء منها تفكيكه لبنى الحكم البورقيبي  (Murphy, 1999) وحللت اخرى  "انحالال" (délitement) سلطته مناقشة الازمات الكامنة في ذلك (Khiari, 2004) وتطرقت ثالثة الى اعتماده   علىتقطيع لدوائر السلطة (sectorisation des agences du pouvoir)  (Camau, Geisser, 2003)

وعاينت ثالثة النظام المصرفي في محاولة لتقصي بنية الاقتصاد السياسي "للولاء"  (l’économie  politique  du consentement)على اعتبار انه عمادة استمرارية سلطة ابن علي  (Hibou, 2006). ورغم تنوع مداخلها فان غالبية هذه البحوث قد استنكفتبالاساس  ضمنيا او عبرعيناتها الميدانية على استشراف بنية حكم إبن علي على خلفية تعامله وتاطيره للطبقات الوسطى (او ما درج على اعتباره كذلك) ضمن الفضاء الحضري. واليوم والحال أن قوة الهبة الشعبية العفوية التي عرفتها تونس ابتداء من شهر ديسمبر2010قد اندلعت في المناطق الداخلية (سيدي بوزيد ، الرقاب ، منزل بوزيان، القصرين ، تالة، الحوض المنجمي) البعيدة عن الساحل والعاصمة وجندت بالاساس شبابا وعاطلين عن العمل من ضمن حاملي الشهائد كاشفة عن حجم الحقن المتراكم جراء النهب والاقتطاع المنظم للمال العام فان ذلك يسيتضيفنا الى القيام بقراءة جديدة للنموذج الاستبدادي التونسي على ضوء معاينة اكثر شمولية وتفصيلية لثنائية "القسر/تعبئة الولاء"(coercition/consentement).

تاخذ بالحسبان التجليات الرمزية والاجتماعية والاقتصادية  "للاكراه"  (coercition)والتباينات المناطقية في شحذ "الولاء". إن اعادة النظرهذه في الانماط المتبعة لممارسة السلطة وبسط نفوذها على مدار 23 سنة الاخيرة لسوف تمكن من استجلاء وتفكيك التركيبات المتفاوتة(les combinaisons variables)  في بنية وادواة التاطيرالاجتماعي والسياسي من قبل نظام 7 نوفبر بالنظر كذلك الى فضاءات اجتماعية ومناطقية حجبت عن الرؤية بعد ان ابقت عليها سياسات إبن علي خارج دائرة التنشئة الاجتماعي للسوق (la socialisation par le marché)  واغراءات "مجتمع الاستهلاك".

 ولسوف تسمح هذه المراجعات من تقديم اجابات ضافية وإغناء معرفة نقدية لما اصطلحت بعض وسائل الاعلام الغربية على اعتباره "الاستثناء التونسي"  (l’exception tunisienne)في اشارة الى النجاحات التونسية المزعومة في معدلات الانماء بالتزامن مع غياب الديموقراطية . كما انها لسوف تلقي ضوءا جديدا على انماط الدمج/الاقصاء الاجتماعي والسياسي الذي احدثته السياسات النيوليبرالية ضمن الحالة الاستبدادية التونسية وفي اطار دراسات مقاربة مع انظمة عربية اخرى.

وبالرجوع للسؤال الاول لماذا افتتحت تونس عصر الثورات في المنطقة العربية تجدر الاشارة هنا الى ان ذلك سيحيلنا ايضا مستقبلا الى تفحص للحالة في تونس على ضوء مقاربة اقليمية عربية تقيم عوامل عديدة جديرة بالتمحص (التجانس العرقي والطائفي ، غياب الثورات النفطية ، البعد عن الصراع العربي-الاسرائيلي ، مستويات التعليم ...).

2- ان اندلاع الانتفاضة المفاجئ ونجاحها في فرض هرب هرم السلطة وذلك لاول مرة في تاريخ تونس المعاصر يحيلنا الى التساؤل عن قوتها الاجتماعية المحركة. كثيرون ثمنوا تاثيرالاحتجاج الالكتروني واعتبروه اللاعب الرئيس والمحدد الاهم في سيرورة الاحداث. لاشك ان الهواتف النقالة المجهزة بالكامرات والاعلام الاجتماعي (مدونات ، فايس بوك ، تويتر...) بطابعه الشبكي والمنتدوي وسرعة واتساع انتشاره قد لعبا دورا غير مسبوق في تاريخ الحركات الاجتماعية في تونس. حركة الاحتجاج الافتراضي  (contestation virtuelle)التي بقت في مناى عن الرقابة البوليسية التي لم تقوى على لجمها لعبت دور الحافز المعنوي للمحتجين1  وكانت حلقة الوصل الضرورية في ابلاغ صوت وصورة الحراك منذ انطلاقته في سيدي بوزيد وحالت دون ان يتم القمع الذي جوبهت به خارج دائرة الضوء (كما حصل ذلك في احتجاجات الحوض المنجمي سنة2 2008) . لقد شكل الفايس بوك اطارا جديدا للعمل الجمعي مضطلعا في احيان كثيرة بدور المحرض والمبادر لتنظيم اشكال الحراك ونشرالمعلومة وبناء شبكات التواصل بين الجهات وتعبئة الدعم للمحتجين ونقل تجارب نضالية وترويج الشعارات (وبالخصوص ذلك الذي يكثف لاشك كنه الانتفاضة :  Dégage ) وتوحيدها والمساهمة في خلق ما سماه المثقف الفلسطيني عزمي بشارة "الزمن الوطني المتجانس" الذي بلغ اوجه يوم 14 جانفي حين تشبثت الاغلبية بالمطالبة برحيل إبن علي بعد خطابه الثالث. طبعا لم يكن هذا الاعلام ليضطلع بهذا الدور لو لم يجد من يفعله على الارض او لم يتمفصل مع فعل تراكمي لنضالات سابقة او تحتضه وترافقه وحتى تستبقه في محطات عديدة مظاهرات واضرابات برزت بشكل عفوي أو أشرفت عليها جماعات منظمة نقابية او سياسية خصوصا على مستوى الجهات الداخلية. بيد انه ومهما اختلفت التقديرات حول  فعل هذا الاعلام في الانتفاضة فان الاهم من ذلك انه مثل العلامة الابرزللتحول السيولوجي في تركيبة النشاط الجمعي  (action collective)الذي تعرفه تونس كما ايضا باقي الفضاء العربي . فهذا الاعلام الاجتماعي يكشف ويكثف دخول فاعل جديد وبكل ثقله حلبه الحراك الاجتماعي والسياسي مطالبا بحقه في تقرير مصيره ورافضا لوصاية النخب الحاكمة المهترئة وتلكم التي سايرتها طوعا او اكراها . هذا الفاعل هو جيل جديد من الشباب نشا خلال عقدي حكم إبن علي ، ارتاد المدارس والجامعات دون وهم في ان يكلل ذلك بالحصول على وظيفة. هذا الجيل بقي في سواده خارج اجهزة التاطيروالرقابة الاجتماعية والسياسية للسلطة وعلى هامش شبكاتها الزبائنية ولم يخض في معظمه تجارب العمل السياسي او النقابي المنظم ولم يتاثرمن ثم بالاحباط الذي شهدته التنظيمات السياسية على اختلاف اطيافها في اعقاب سنوات 1990. بالنظر الى مجريات الصراع الدائر في تونس اليوم تبدو للوهلة الاولى سمتان بارزتان تطبعان الشباب المنخرط في الحراك. الاولى هي تسيسه وجرئته اللتان لاشك انهما تغذتان من استهلاكه للاعلام الفضائي (قناة الجزيرة بالخصوص ) والالكتروني مما وفر له لغة موحده وادراكا مرهفا برهنات انخراطه في المعركة وكما ايضا انفتاحا كبيرا على ما يجري في دول الجوار. اما السمة الثانية فهي وعي قسم منه بانسداد افق ارتقائه الاجتماعي في ظل عدم التغييرالفعلي للحكم وهو ما يفسر في تقديري الجذرية التي طبعت اشكال فعله وكما ايضا التشبث الذي ابداه بمطلبي : حل الحزب الحاكم القديم  (التجمع الدستوري الديموقراطي) والجمعية الوطنية التاسيسية ، المراد منها تشريع دستوري جديد للبلاد. ولربما مثل الاعتصامان اللذين نظما في ساحة القصبة امام مقر الوزارة الاولى خير شاهد على ذلك. فالاعتصام الاول الذي عقب فرار ابن علي ادى الى اسقاط الحكومة الاولى لمحمد الغنوشي وسرع بقرارها تعليق نشاط الحزب الحاكم القديم. وقد كان المبادرفي تنظيمه مجموعة من شباب قرية منزل بوزيان3 عقدت العزم على الذهاب الى تونس العاصمة مشيا على الاقدام "للمطالبة بتنحي كل رموز النظام السابق من السلطة"4 واستطاعت في طريقها ان تجند مجموعات اخرى وان تكسب التاييد لتحركها من خلال الاعلام الاجتماعي ثم تحضى بعد ذلك بتاييد بعض التنظيمات السياسية في العاصمة. كذلك الشان بالنسبة للاعتصام الثاني الذي بدا في 20 فيفري المنصرم ولعب الفايسبوك دورا مركزيا في الحشد له وكانت الغلبة فيه للمشاركة الشبابية وادى الى الاطاحة بحكومة الغنوشي الثانية وفرض انتخاب جمعية تاسيسية .

رغم ذلك فان "شباب الثورة" كما اصطلح على تسميته اعلاميا لا يمكن باي حال من الاحوال اعتباره جسما موحدا اندفع بكل مكوناته في العمل السياسي وانخرط فيه بنفس اشكال العمل الجمعي ومستوى التسيس ووضوح الرؤية . هذا الشباب كيان غيرمتجانس سياسيا تحكمه منحدرات وتنشئة اجتماعية مختلفة وافاق متباينة في الاندماج في سوق الشغل . ولسوف يشهد تمايزات واستقطابات ولربما حتى افرازات تنظيمية في المرحلة القادمة سيكون لها وقع رئيس في تبلور موازين القوى .   

 3- المشهد الذي استفاقت عليه تونس يوم 14 جانفي أسس لمرحلة انتقالية تتميز بصراع لم تحسم نتائجهه بعد بين نظامين (ordres) . الاول قديم يسعى الى ربح الوقت وترميم نفسه عبرمحاولة التكيف مع مستجدات الوضع للانبعاث بحلة جديدة تسمح بانقاذ مؤسساته المركزية والحفاظ على مصالح نخبه الضالعة والدفاع عن مواقعها وولائاتها الاقليمية والعاليمة. الثاني في طور التشكل يوحده الزخم الذي وفره له رحيل إبن علي وترفعه المكاسب التي تحققت مذاك. ثمة سمات متناقضة تطبع كلا الطرفين.  فلا شك ان نظام 7 نوفبروان تلقى ضربة مؤلمة جدا برحيل هرمه ، استطاع في الان نفسه يوم 15 جانفي ، ورغم بعض التعثر، من التحكم في عملية نقل السلطة واجتناب ازدواجيتها. وقد بقى الماسك الرئيس بمفاصل القرار السياسي والاقتصادي وتمكن من المحافظة على تماسك اجهزته (من وزاة الداخلية وقيادة الجيش والنظام المصرفي والبنية الاقتصادية والادارية وتلك العائدة لسياسته الخارجية وتشمل معهداته الامنية والاقتصادية ...). في المقابل شهد اداءه ترددا وضبابية كبيرين ودفعته قوة ضغط الشارع وجذرية مطالبه الى تقديم العديد من التنازلات مجاراة للاحتجاجات ومحاولة منه لوضع اليات تضمن له من ان يكون الرقيب الاخيرلسيرورة التحول الجارية والمتحكم الاول في سقفها. هذه التنازلات المفروضة عليه باعتباروتيرتها المتسارعة ووقعها التراكمي عززت في الان نفسه من ارتباكه وحملته على التضحية بهياكل (الحزب الحاكم السابق ) ووجوه لم يكن ينوي الاستعاظة عنها في البداية ، موسعة في المحصلة الاخيرة من اهتزازه ومعقدة عليه مجال المناورة و الالتفاف على المطالب المرفوعة. من الجانب الاخرتقف حركة اجتماعية (mouvement social) ذات زخم عالي تدفع باتجاه تحول سياسي يقطع مع المنظومة الاستبدادية يوجدها في ذلك مطلب انتخاب جمعية تاسيسية تؤسس لمرحلة جديدة . هذه الحركة تؤلفها تجمعات وهياكل متفاوتة البناء الافقي والمركزية والتجانس والقوة العددية والقدرة على التعبئة. وهي مختلفة المنحدرات الايديولوجية ، متفاوتة التنظم (احزاب ، منظمات مجتمع مدني ، لجان دفاع جهوية عن الثورة ، هياكل نقابية قاعدية ، ناشطون مستقلون ، مدونون شباب ، حركة طلابية ، شباب منخرط في اشكال عدة من الاحتجاج ، نواتاة لقيادات جهوية ...) وحتى متباينة الاهداف. قوة هذه الحركة الاجتماعية تكمن بالاساس في انكسار حاجز الخوف لديها ، والزخم  الذي يميزادائها ، واشكال النضال والتنسيق المختلفة التي تمارسها ، ومجالات الصراع الواسعة التي تفحتها مع السلطة الحالية ، والمكاسب العديدة التي حققتها. اما نقطتا ضعفها الاساس فتكمن في تقديري في فقدانها من جهة لبديل اجتماعي قادر على ان يقدم اجابات على تطلعات فئات واسعة من البطالين والمهشين وفقراء الجهات المحرومة في تونس ومن جهة اخرى ضعف مكونتها المنظمة السياسية المنظمة. ولقد كانت الفترة الاخيرة خير شاهد على ذلك. فالمعارضة الحزبية وعلى اختلاف أطيافها5 فوجئت هي الاخرى بالانتفاضة الشعبية وبالشغور الحاصل في اعلى هرم السلطة وظهرت انتظارية عاجزة عن ملئ الفراغ وتخطي الشرعية الدستورية القديمة برغم رفضها لها. كما بانت غير متهيئة لاحداث ازدواجية في السلطة  كما ايضا هامشية ضمن الحراك الشعبي العفوي ولجان الدفاع الذاتي عن الاحياء التي تشكلت في اعقاب رحيل ابن علي. هناك مكونان اساسيان اليوم في المشهد المعارض المنظم. الاول هو حزب النهضة الاسلامي الذي وبعد 30 سنة من تاسيسه يتاح له اليوم ولاول مرة مجال خوض تجربة العمل العلني والقانوني. وها هو وبعد سنوات القمع والتفكك والشلل التي عرفها على مدار العشريتين الاخيرتين تتاح له الفرصة اخيرا للملمة اطرافه واعادة تاسيس هياكله وفتح تقييم داخلي حول ما اصابه. ولاشك وبرغم القدرات الكامنة لهذا التثظيم الا ان فعله سيبقى محكوما في المرحلة القادمة بمقتضيات اولوية اعادة تريب بيته الداخلي واستنهاض هياكله . المكون الثاني هو المجموعات اليسارية والتي يشكل حزب العمال التونسي فصيلها الاكثرتنظيما. غير ان انقسامات هذا اليسار وضعفه الناتج عن القمع الذي مورس ضده الى جانب المحاصرة التي تعرض لها من طرف قيادة المركزية النقابية وكذلك غياب الرؤية البرنماجية لديه يجعل منه ، والحال على ما هي عليه ، غير مؤهل لتبؤ دور قوة الدفع الاساس في المظور القادم. وعليه فان المكونين الاساسين ضمن الحركة الاجتماعية والذين سيكون دورهما محددا ضمن المرحلة الانتقالية هما الاتحاد العام التونسي للشغل و"شباب الثورة". اذ تشكل المركزية النقابية في تونس بحكم وزنها الاجتماعي والشرعية التي تتمتع بها ثقلا كبيرا ظهرت اهميته في كل الجهات التي شهدت مظاهرات منظمة واضرابات عامة قبل وبعد سقوط إبن علي (صفاقس ، قابس ...). قالمرحلة القادمة ترجح استعادة هذه المنظمة لاستقلاليتها عن السلطة والتخلص من قيادتها القديمة التي تواطئت مع نظام ابن علي ولجمت الحركة المطلبية والاضرابية . اما الفاعل الاخر الرئيس فهو ذاك الشباب الذي قاد ميدانيا المواجهات مع الاجهزة القمعية لبن علي ونظم الاعتصامات والمظاهرات واختبرعلى مدار الشهرين الماضيين قوته وتاثيره.

4- اشارعديد الملاحظين الى انه لا ايديولوجيا لهذه الانتفاضة. وتحدث اخرون عن عدم امكانية مقارنتها بالثورة الفرنسية ووصفها اخرون "بما بعد الاسلاموية"  (post-islamiste) ورأى فيها  اخرون شاهدا على بزوغ شكل جديد من القومية العربية  .(panarabisme) بيد انه وايا يكن التوصيف الاكثر تطابقا مع النتائج التاريخية لهذا الحدث الذي هز تونس والمنطقة والذي يستحق لزمن تاريخي لتلمس نتائجه فان ملاحظات ثلاثا سريعة يمكن سياقتها اليوم . الاولي هي ان هناك تسمية فرضت نفسها على التداول في تونس وهي "ثورة الحرية والكرامة"6. هذه التسمية التي يندمج فيها البعد الاجتماعي مع البعد الديموقراطي هي خير تعبير عن الامال التي تعلقها فئات واسعة ممن انخرطوا في الانتفاضة الشعبية سيما منذ ايامها الاولى في الشطر الغربي من البلاد واوئك الذين التحقوا بهم في الاحياء والضواحي الفقيرة المتاخمة للعاصمة (التضامن ، المنيهلة ، الكرم ...). وعليه فان البعد الطبقي والصراع الاجتماعي الكامن او الظاهرسيكون محركا اساسا في هذه المرحلة الانتقالية القادمة من حيث حركة اصطفاف الفاعلين وتماهي او استقطاب مختلف الفئات الاجتماعية ان على الصعيد الوطني او الجهوي. الثانية هي ان ضعف المعارضة الحزبية المنظمة وغيابها شبه الكامل في بعض بؤر الانتفاضة بالتوازي مع بروز وجوه وعناصر قيادية ميدانية (من ضمن احد تعبيراتها الاكثروضوحا ما يجري في منطقة الحوض المنجمي وقرى من المنطقة الغربية لولاية توزر)  كسبت خبرة وشرعية كبيرة على مدار الاسابيع السابقة يفسح المجال اليوم الى تبلور قيادات جهوية واطر تنسيقية سيكون لها دور هام في اعادة تشكيل الفضاء السياسي الوطني في تونس والتاثير المباشر على موازين القوى . واخيرا وبقطع النظر عن صحة فرضية الاستنهاض القومي الجديد فان لا احد يمكن ان يشكك في ان ما يجري في تونس اثر ويتاثر بمجريات الحراك في المحيط العربي . وعلاقة التاثير المتبادلة هذه التي درج على تسميتها ب "نظرية الدمنو" لا تنطبق فقط على الزخم التي ولدته مشاهد سقوط رؤساء عرب "يوم الجمعة"7  بل كذلك على بعض اشكال التضامن و التنسيق الجديدين اللذين ظهرا تباعا بين نشطاء شباب في الفضاء العربي (مثل ما حدث بين مدونني او مجموعات على الفايس بوك في تونس ومصر وليبيا ...) والتبلور التدرجي لفهرس مشترك لعناوين للتعبئة (répertoire commun de mobilisation)  عابر للحدود القطرية ربما كان مطلب  صياغة دستور جديد من قبل هيئة منتخبة احد علاماته البارزة كما ظهر في تونس ومصر والبحرين.     


Références citées

Camau Michel, Geisser, Vincent, 2003, Le syndrome autoritaire. Politique en Tunisie de Bourguiba à Ben Ali, Paris, Presses de sciences Po.


Hibou, Béatrice, 2006 : La force de l’obéissance. Economie de la répression en Tunisie, Paris, La découverte.


Khiari, Sadri, 2004 : Tunisie : Le délitement de la cité : coercition, consentement, résistance, Paris, Karthala.


Murphy, Emma C. 1999, Economics and Political Change in Tunisia. From Bourguiba to Ben Ali, London, Mac Millan Press, New York, St. Martin’s Press.

 

 

1بما في ذلك يوم 14 جانفي في المسيرة الكبرى التي شهدتها تونس العاصمة حيث شجعت  مسيرة صفاقس التي انتظمت يوم 13 جانفي وتم تداول صورها بكثافة على الفيس بوك  كثيرا من التونسيين على النزول الي الشارع.
2"لقد استخلصنا الدروس من نضالات الحوض المنجمي وكوننا منذ اليوم الاول لاحتجاج واندلاع المواجهات مع البوليس لجنة اعلامية اوكلت  لها مهمة تصوير الاحتجاجات والقمع الذي ووجهت به ليتم فيما بعد نشرها على الانترنت " وايصالها الى الجزيرة " محادثة مع محام شاب ، سيدي بوزيد 15 فيفري 2011[2]
3والتي شهدت سقوط محمد عماري  الشهيد الاول برصاص الشرطة في 24 ديسمبر 2010.
4محادثات ، مزل بوزيان 16 فيفري 2011
5وانا استثني هنا الاحزاب التي كان معترفا بها منذ حقبة ابن علي والتي قبل فصيلان منها المشاركة في حكومة الغنوشي.
6خلاقا للتسمية المتداولة في الاعلام الغربي الذي سارع بالحديث عن ثورة الياسمين.
7في اشارة هنا لما تر دد مزاحا في الفايس بوك بعد ان رحل إبن علي يوم الجمعة وتبعه مبارك في نفس يوم الاسبوع.

notes

1بما في ذلك يوم 14 جانفي في المسيرة الكبرى التي شهدتها تونس العاصمة حيث شجعت  مسيرة صفاقس التي انتظمت يوم 13 جانفي وتم تداول صورها بكثافة على الفيس بوك  كثيرا من التونسيين على النزول الي الشارع.
2"لقد استخلصنا الدروس من نضالات الحوض المنجمي وكوننا منذ اليوم الاول لاحتجاج واندلاع المواجهات مع البوليس لجنة اعلامية اوكلت  لها مهمة تصوير الاحتجاجات والقمع الذي ووجهت به ليتم فيما بعد نشرها على الانترنت " وايصالها الى الجزيرة " محادثة مع محام شاب ، سيدي بوزيد 15 فيفري 2011[2]
3والتي شهدت سقوط محمد عماري  الشهيد الاول برصاص الشرطة في 24 ديسمبر 2010.
4محادثات ، مزل بوزيان 16 فيفري 2011
5وانا استثني هنا الاحزاب التي كان معترفا بها منذ حقبة ابن علي والتي قبل فصيلان منها المشاركة في حكومة الغنوشي.
6خلاقا للتسمية المتداولة في الاعلام الغربي الذي سارع بالحديث عن ثورة الياسمين.
7في اشارة هنا لما تر دد مزاحا في الفايس بوك بعد ان رحل إبن علي يوم الجمعة وتبعه مبارك في نفس يوم الاسبوع.