حتمية التنوع وتحدياته

إعادة بناء التقاليد الاجتماعية في عالم غير متساوٍ

Sujata PATEL

المترجم : SAADA Mahmoud


  • fr
  • en
  • ar
  • الصيغة متعددة اللغات
  • الصيغة البسيطة
المحاضرة الافتتاحية في مؤتمر لمجلس الجمعيات الوطنية الذي يتألف من ممثلين من البلدان الأعضاء في جمعية علم الاجتماع الدولية عُقد في مدينة تايبيه بتايوان من 23 إلى 25 آذار/مارس وحمل العنوان: "التحديات التي يخوضها علم الاجتماع في مواجهة عالم غير متساوٍ"

لقد تغيرت ديناميات العالم منذ السبعينات، وبالأخص منذ التسعينات. وقد عزز الاندماجُ العالمي التدفقَ الحر للأفكار والمعلومات والمعارف والسلع والخدمات والأموال والتقنية وحتى الأمراض والمخدرات والأسلحة. وكان لذلك أثران. أما الأول فيتمثل في تحول العالم إلى قرية صغيرة، مما فتح الباب أمام إمكانية حصول مختلف أنواع التدفق والحركة العابرة للحدود، لاسيما رأس المال والعمل والاتصالات. وبالإضافة إلى الترابط (interdependence) بين الأموال، وسّعت الممارسات العالمية الجديدة من ميادين مشاريع التعاون المحتملة. وفي المقابل نتج عنها صراعات وزيادة في التسلح.

وأما الأثر الثاني فتمثل في تغير سياق تدفق رأس المال والعمل، فبينما شجع السياق الجديد الهجرة الطوعية شجع أيضا الاتجار بالبشر وشرّد السكان وأصبح بعض الناس لاجئين. ويجري حاليا تنظيم ظواهر عدم المساواة والتسلسل الهرمي بأشكال مختلفة رغم أننا نعيش وعلى نحو واضح في عالم واحد رأسمالي وبوجود شكل وتمثيل للحداثة (modernity) مهيمنان. إن العجز في الوصول إلى سبل العيش والبنية التحتية والمواطنة السياسية مندمجٌ مع أشكال أخرى من الإقصاء، كالإقصاء المتعلق بالهويات الثقافية وهويات المجموعات، إذ أنها موصولة فيما بينها بطرق متفاوتة في مواقع منفصلة.

ويجري إعادة تكوين المجال (space) ويوصَل على نحو متفاوت حيث تتقاطع الاندماجات الاجتماعية (sociabilities) ضمن وبين التجمعات السكانية والأقاليم والدول القومية والتجمعات العالمية في تناغم مع الطبيعة المتغيرة للعمل والمنشأة، وللإمكانيات والهوية. فأصبح كل من هذه المواقع موضعا هاما للتدقيق والتحليل إذ أن الاندماجات الاجتماعية تتشكَّل على نحو متفاوت ضمن العديد والعديد من المواقع.

لقد شكّلت هذه العملية ولازالت تحديا أمام إنشاء منظمة من الجهات الفاعلة ومجموعات من الجهات الفاعلة. ويفيض العالم اليوم بأشكال متباينة من التدخلات الجماعية و/أو العنيفة وهي تؤكد في آن واحد أن التمثيلات المتنوعة للهويات الثقافية والحرمان من أسباب العيش هما السمة المميزة لهذه التجمعات (collectivities). يتطلب انسياب الهويات والتعبير المتواصل عنها بمظاهر متفاوتة ومتنوعة منظورا جديدا لتقييم العالم وفحصه، بحيث يُنظر إليه من زوايا عديدة.

هل علم الاجتماع وعلماء الاجتماع على امتداد العالم مستعدون لمواجهة التحدي التي تفرضه علينا الأوقات المعاصرة ؟ ما هو نوع الموارد التي يمتلكونها لمواجهة المطالب التي تقدمها الديناميات المعاصرة ؟ في نهاية القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين، خاض الأوروبيون ولاحقا الأمريكيون تحدي تقييم التغيرات المجتمعية التي واجهت مجتمعاتهم وطوروا منظورات جديدة. هل لهذا الإرث تقاليد نقدية ليمنحنا لغة وموارد لمواجه هذه التحديات ؟

صرّح علماء الاجتماع أن علم الاجتماع كان ولازال أكثر العلوم الاجتماعية تفكُّرا. وقد برزت أول لحظة تفكّر عندما كان علم الاجتماع الأمريكي في طور مأسسة المقاربة البارسونية في بُناها الجامعية. لكن هذه المداخلات ومداخلات شبيهة بها لم تستجوب سوى علوم النوع الاجتماعي والأعراق والأجناس وغيرها من الهويات في مناطق أوربا وشمال أمريكا. وكان هناك القليل جدا من التفكّر فيما يخص الاستيلاء الضمني والصريح على القوة التي حكمت تشكيل علم الاجتماع في أوربا وتصديره لمناطق أخرى من العالم.

ويمكن تتبّع التسلسل الزمني لهذا التفكّر في الولايات المتحدة رجوعا إلى إحدى أمهات الكتب وهو كتاب "ألفين جولدنر" (1971) بعنوان "الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي" وإلى الانتقادات التي نشأت لاحقا مع تنامي حركات الطلاب والحركات النسوية في أواخر الستينيات. وكان لذلك أثره على النظريات الاجتماعية الأوربية والأمريكية، وكان لهذا الأثر بالإضافة إلى أثر المنظورات الجديدة التي انبثقت عن البنيوية وما بعد البنيوية أن أعادا تشكيل الماركسية والنسوية والبيئوية ونظرية الهوية وأعادا وضع النظرية الاجتماعية في إطار تعدد الأوجه والتعددية والانتقائية. وتزامنت هذه المناحي مع دفع "والرشتاين" (1996) نحو "فتح" علم الاجتماع نفسه كي يضم التحديات المتأتية من العلوم الاجتماعية المتداخلة-التخصصات كدراسات النوع الاجتماعي ودراسات البيئة والدراسات الثقافية ودراسات الأعراق والأجناس.

وتحظى هذه المناحي بالاعتراف في كتابات على غرار كتاب بعنوان "النظرية الاجتماعية اليوم" (من تأليف جيدينز و تيرنر 1987) الذي ذكرا فيه بأن لا وجود لاتفاق في هذه المهنة بشأن أساسيات ما يشكل النظرية الاجتماعية. تؤكد التقاليد الأوربية والأمريكية في علم الاجتماع هذه التعددية النظرية والمنهجية. ويعتبرها "نيل سميلسر" (1994) مَغنما إذ قال أن "الفائدة تكمن في العيش في مجال يرفض حصر نفسه في نموذج مغلق يهدد باستنزاف نفسه، بل يحتفظ بميزات الانفتاح الفكري والتخيل" (8).

انعكس هذا الموضوع، بطريقة ما، في مقال مارتن ألبرو (1987) الذي نُشر في العدد الافتتاحي لمجلة "إنترناشونال سوسيولوجي" عندما اقترح أن تبادر المجلة بـ "... سعي صريح لإيجاد أنماط بحث وأطر مفاهيمية [جديدة] يمكنها أن تعبر عن تميز الثقافات" (9). ورغم هذه الحاجة التي لُمست في أوربا والولايات المتحدة، اقتصر النقاش في التقاليد الاجتماعية عموما على النظريات الاجتماعية وتطوير ثقافة امتهان والتأكيد على الكونية (universality) بمنظوراتها وممارساتها. ومن شأن هذا التحولُ إلى الكونية أن يحدد موضع نقاش النظرية الاجتماعية في الحداثة ونموها في أوربا وانتشارها في أمريكا الشمالية ولاحقا في بقية البلدان الصناعية المتقدمة في العالم. فعلى سبيل المثال يؤكد أنتوني جيدينز (1996) أن "علم الاجتماع هو فرع معرفة تعميمي يُعنى قبل كل شيء بالحداثة، أي بميزة وديناميات المجتمعات الصناعية أو المتسمة بالحداثة" (3).

وفي هذا السياق بالذات نحن بحاجة إلى تقييم المداخلات حديثة العهد لكل من جورغين هابرماس (2001) و أولريخ بيك (2006) كي تعانق النظريةُ الاجتماعيةُ في مرحلة ما بعد الوطنية والمرحلة العابرة للوطنية اللاقوميةَ (cosmopolitanism) الجديدةَ التي آذنت بها العولمةُ المعاصرة. ولكن هذا الموقف يؤكد مجددا على ترسيخ النظرية الاجتماعية في الحداثة الأوربية، أي "الحداثة الثانية" في هذه الحالة. وهذا ما يجعل بيك يعتقد أن "الواقع في طور أن يصبح لا قوميا، هذه حقيقة تاريخية" (68).

يتحتم في هذه المرحلة أن نستذكر تمييز "تيلر" (1995) بين نوعين من الحداثة هما: الحداثة الثقافية حيث تقيّم النظريةُ التحولاتِ من حيث صعود ثقافة جديدة، أما الأخرى فهي الحداثة غير الثقافية (acultural) عندما تفحص النظريةُ التحولاتِ من حيث الحيادية الثقافية كالعقلانية الغربية والتحول إلى الصناعية وحديثا العولمة. يرى تيلر أن معظم النظرية الاجتماعية غير ثقافي وأن الحداثة الغربية معززة برؤية الخير الإيجابي خاصتها. وهذا يؤكد على وصف الحداثة الغربية بمظهر أخلاقي ويشوه النظرية على مستويين: الأول هو الحسابات الخاطئة للتغيرات المتعلقة بثقافة الغرب الخاصة والثاني هو التعميم الكوني لأوجه الحضارة الغربية كالعلم والدين بوصفها سرمدية. ويطلب تيلر منا أن نتذكر بأن العلم نما في الغرب "في تعايش وثيق مع ثقافة بعينها، بمعنى وجود كوكبة من الفهم للشخص والطبيعة والمجتمع والخير" (27).

برأيي، ينبغي رفض فكْر بيك عن اللاقومية لأسباب مماثلة، فهو يرى أن هناك علاقة متبادلة وترابط بين الناس على امتداد العالم، لكن التقييم جرى استنادا إلى بعض المميزات المحددة، المعمَّمة كونيا الآن، وهي نشوء المنظمات فوق الوطنية في حقول الاقتصاد وسياسات الجهات الفاعلة غير الحكومية وحركات المجتمع المدني؛ والمبادئ المعيارية كحقوق الإنسان؛ وأنواع وتوصيفات المخاطر العالمية؛ وأشكال الحروب؛ والجريمة المنظمة والإرهاب العالميان. والقاسم المشترك ببينها هو التحول إلى اللاقومية، أي تلاشي الحدود الواضحة التي تفصل الأسواق والدول والحضارات والثقافات والعوالم الحياتية لعامة الناس. ولكن هل الأمر فعلا بهذه الصورة ؟ تبقى أعمال بيك محددة تجريبيا ضمن المناحي التي تحصل في أوربا ولم يجرِ لها تحليل عالمي مقارن ليدعم موقفها. وفي هذا السياق هناك أهمية تولى للنقص في التحاليل الخاصة بالعلاقة بين القوة والثقافة والمعرفة.

والأهم من ذلك اعتقاد بيك بشأن القومية المنهجية إذ يقول بأنها مستندة إلى "نظرية السجن القومي الخاصة بالوجود الإنساني" (12). فهو يعتقد قائلا:

لازالت القومية المنهجية مهيمنة في علم الاجتماع وغيره من العلوم الاجتماعية على افتراض أنها مبنية على المستوى القومي. وكانت النتيجة نظام من الدول القومية وما يقابلها من علوم اجتماع قومية تحدد مجتمعاتِها المميزة من حيث المفاهيم المرتبطة بالدولة القومية. وبالنسبة للمظهر القومي، تستحدث الدولة القومية "الغلاف الحاوي" وتضبطه وبالتالي فهي بالتزامن مع ذلك تصف حدود علم الاجتماع. (2)

تأكيد بيك بشأن الأمم والقومية يجد صداه في تعليقات كُتاب آخرين. ففي أوائل الثمانينيات قال أنتوني سميث (1983) أن علماء الاجتماع عندما درسوا "المجتمع" بوصفه وحدة إقليمية ذات حدود، أي الدولة القومية، أخفقوا في الاعتراف بأن "دراسة المجتمع هو بحكم الواقع دراسة الأمة" (26). وقد تناول أنتوني جيدينز (1990) هذه النقطة في كتابه "النتائج المترتبة على الحداثة" إذ قال:

والآن يمكن فهم "المجتمعات" بوصفها دول قومية بشكل مؤكد. ومع أن عالم الاجتماع في سياق حديثه عن مجتمع ما قد يستخدم بدلا من ذلك وبصورة عابرة مصطلحَ "أمة" أو "بلد"، فإن سمة الدولة القومية نادرا ما توضع مباشرة في سياق النظرية إلى الآن. وفي طور شرحنا لطبيعة المجتمعات المتسمة بالحداثة، ينبغي علينا أن نقف على الصفات المميزة للدولة القومية، فهي نوع من المجتمعات الاجتماعية يتناقض جذريا مع دول ما قبل الحداثة. (13)

وثلاثتهم يرون أن فحوى علم الاجتماع هو عموما وصف لفئات الناس والمؤسسات والمنظمات والثقافات الخاصة بقومية الفرد. فكيف في هذا السياق يمكن تعميم هذه الأمور كونيا ؟ وبعد هذا الدحض وعلى ضوء نقاط تيلر المنهجية آنفة الذكر، أصبح من الضروري بحث العلاقة بين المخططات التوضيحية وأنماط التفكّر بواسطة سياقات وتمثيلات ثقافية محددَة للأمة والقومية، بدلا من التأكيد على تعميم كوني قائم على البداهة. فالأحرى، كما اقترح "تشاكرابارتي" (2000)، أن تصنَّف علوم الاجتماع هذه بوصفها إقليمية.

وهناك أمر آخر يُعنى بالأمة والقومية وهو السيطرة على الإقليم والاستفادة من عملياته ومعارفه وموارده الاقتصادية والسياسية والثقافية اللازمة لمشروع الأمة وبناء الأمة، ليس ضمن الدولة القومية للفرد فحسب بل أيضا في الدول القومية للآخرين عن طريق السيطرة الاستعمارية والسيطرة الاستعمارية الجديدة. إلى أي مدى قيّمت النظرية الأوربية والأمريكية أثرَ التوزيعات العالمية للقوة على إنتاج وإعادة إنتاج المعرفة الاجتماعية المحافظة والراديكالية والتفكّرية عبر العالم ؟

ونرى من خارج أوربا وأمريكا الشمالية بزوغ موقف مناقض تماما وهو يدخِل صوتا جديدا إلى مجمل المناقشة. وهو موسوم بمصطلح علم اجتماع الأصلانيين (indigenous sociology) وأعيدت صياغته مؤخرا إذ وُصف بأنه مشروع بناء علم اجتماع ذاتي النشوء (endogenous sociology) (أديسينا 2006) وعلم الاجتماع المستقل بذاته (autonomous sociology) (العطاس 2006) وبأنه عبور-حداثي (transmodernity) (دوسيل 2000)، وهو يكوّن موقفا جديدا ناقدا للمعرفة العلمية (epistemic) بشأن علم الاجتماع وجزء من هذا الموقف مذكور في كتاب "كونيل" (2007) المعنون "النظرية الجنوبية". وقد اعتقد علماء علم الاجتماع الذاتي النشوء في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية أن هناك حاجة لاستنباط فلسفات ونقد معرفة علمية (epistemologies) ومنهجيات أصلانية من أجل تصور وفهم وفحص الثقافات والبنى "المحلية" والقومية في مختلف بلدان الجنوب (العطاس 1974).

المسألة الأساسية هنا هي الاستعمار وفرض العلم والنظريات والمنهجيات الغربية في تقييم المجتمعات غير الغربية. فقد اعتقد العلماء في بقية أنحاء العالم أن التعميم الكوني للمنظورات الأوربية والأمريكية وفّر رؤية عظيمة واحدة و"حقيقةً" تقيِّم التغيرات الحاصلة في العالم (فالرشتاين 2006). وقد سمّاها سيد حسين العطاس (1972) بالعقل الأسير، و"تقليد دون تمحيص للنشاط الفكري العلمي بما في ذلك إعداد المشكلة العلمية والتحليل والتجريد والتعميم ووضع المفاهيم والوصف والشرح والتفسير" (11-12).

وحسب مواقف علم الاجتماع الأصلاني فإن المنظورات الأوربية والأمريكية عرقية النزعة (ethnocentric) وإنها أبهمت تحليلَ سياقات وعمليات معينة، فقد تسببت بتحريفها وتشويهها وحددت في نفس الوقت طريقة بعينها لتقييمها (العطاس 1974؛ موكيرجي وسينغوباتا 2004). وذلك لا ينطبق على النظريات المحافظة والواقعية فحسب بل ينطبق أيضا على النظريات الراديكالية كالماركسية والنظريات التي تمثل الأصوات التابعة (subaltern) والمستبعَدة كالبيئية والنسوية (موهانتي 1988؛ ماني 1990). وبما أن هذه النظريات قد صُدِّرت إلى بلدان أخرى فقد أصبحت هي الأخرى نماذج معممة كونيا ومهيمنة.

لا عجب من أن الفكرة القائلة بأن هذه المجتمعات والمناطق غير الغربية لم تأت سوى بالقليل جدا من النظريات المفاهيمية والتفسيرية الجديدة، وأن الاقتراح القائل بأنه إلى أن يصبح لديها نظريات من هذا القبيل لا يمكننا إلا أن نعتبر هذه العلوم الاجتماعية خارجة عن الصدد، أدى ذلك إلى إعادة الهيمنة بطرق جديدة، فقد تم تناول هذا الأمر. ولذلك اقترح عالما الاجتماع الهنديان راضا كمال موكيرجاي و دي بي موكيرجي أن يُنظر إلى العلوم الاجتماعية بوصفها فرع معرفة موحَّدا خاصا بثقافة ما ويدمِج القيم بالتحليل، وطالبوا بأن تحدد القيمُ الهنديةُ الطريقةَ التي يفسَّر بها التفكير الاجتماعي في الهند (موكيرجي 1955؛ موكيرجاي 1958). ومن نفس التقييم تشكلت مطالبة "أكيوو" (1987؛ 1990) بعلوم اجتماع أصلانية، ولهذه الغاية وضع خطة مفاهيمية لتقييم الدراسات الاجتماعية استنادا إلى أفكار ومفاهيم من الشعر الإفريقي.

ويؤكد هذا المنظور أيضا على حاجة الدولة القومية (ومعناها الآن مختلف) إلى أن تبقى بيئة حاسمة لتصنيف مجموعة من ممارسات علم الاجتماع وتقييمها، بما في ذلك النظريات الاجتماعية. وبالإضافة إلى ذلك كان هناك دعوة إلى تجاوز الدولة القومية بحثاً عن فوق المحلية (supra-local) والذي قد يشكّل بيئة لتفسير الممارسات الجديدة، لاسيما في حالة الدول القومية الكبيرة كالصين والهند. لقد سلّط علماء الاجتماع الأصلانيون الضوءَ على الهيمنة الغربية في مجموعة من ممارسات علم الاجتماع بما فيها الممارسات التي تتعامل مع التعليم كاستيراد المناهج وكتب الدراسة والبحوث (ما الذي ينبغي دراسته وكيف يُدرَس وما هي الممارسات التي تُعتبر الفضلى في البحث، بما في ذلك تقييم مشاريع البحث وأصول كتابة المقالات التجريبية والنظرية ونشرها في المجلات) (العطاس 1974).

ومن شأن هذه المسائل بالإضافة إلى التساؤل بشأن من يمول البحوث ومن يحدد برنامجها أن فتحت النقاش في الطريقة التي ترسى فيها النظرية الاجتماعية وممارساتها ضمن التوزيع المتفاوت للقوة العالمية، وهو أمر  هام في سياق العولمة المعاصرة. والمسألة المطروحة هنا هي الحاجة لتحديد علم الاجتماع بمجمل الممارسات التي تنسق تنظيمه بدلا من الاقتصار على النظريات. وهذه الممارسات متفاوتة التنظيم على امتداد العالم وسوف يقودنا فحصها إلى تقييم البناء الاستعماري للحداثة. وهذا هو المصدر الذي يمكن أن نستنتج منه طرق التفكير الحديثة والعديدة وتحليل العمليات العالمية المتفاوتة.

لقد سُبرت هذه الأبعاد بنقد معرفي علمي راديكالي ناشئ من مدرسة التبعية الجديدة في أمريكا اللاتينية. فقد شكّل هذا الموقفَ باحثون في الجانب النظري أمثال "أنيبال كيخانو" و"إنريك دوسيل" و"والتر ميغنولو"، معتقدين أن التعميم الكوني المتأصل في النظرية الاجتماعية جزءٌ من الجغرافيا السياسية للمعرفة. ومفتاح هذه العملية يتمثل في تقييم الحداثة وعلاقتها بالنظرية الاجتماعية. فعلى سبيل المثال قال دوسيل (2000):

إذا ما فهم الفرد الحداثة الأوروبية، وهي عملية طويلة عمرها خمسة قرون، على أنها كشفٌ عن إمكانيات جديدة مستمدة من مركزيتها في تاريخ العالم والتشكل البديهي للثقافات الأخرى بوصفها محيطية بالنسبة لها، يصبح جليا، رغم أن جميع الثقافات عرقية النزعة، أن النزعة العرقية الأوربية هي الوحيدة التي قد تدّعي بأن التعميم الكوني خاص بها. وتكمن المركزية الأوربية (Eurocentrism) الخاصة بالحداثة في الخلط بين الكونية المجردة والهيمنة العالمية الملموسة المستمدة من موضع أوربا بوصفها المركز. (471)

ويرى دوسيل و كيخانو أن هناك حاجة لفحص المعرفة الاجتماعية بوصفها خطاب قوة، لاسيما في سياق التطورات الحديثة. وهما يريان بأن هناك حاجة لتقييم النظريتين الأوربيتين الكلاسيكية والحديثة، وحديثا يُضاف إليهما النظرية الاجتماعية الأمريكية، بوصفها خطابات قوة. وهما يعتقدان أن هذه النظرية قائمة على تقييم نفسها، أي تقييم "الأنا" (الغرب) بدلا من تقييم "الآخر" (بقية العالم) الذي كان ولازال موضع سيطرته حتى بعد الزوال الرسمي للاستعمار والإمبريالية. ويقتضي التعميم العالمي إضفاء الشرعية على معرفة "الأنا" عن "المجتمع" (ميغنولو 2002).

وهما يعتقدان أن النظريات الاجتماعية الأوربية والأمريكية تضم مجموعة من البديهيات لصياغة المعرفة بالمجتمع وتتشكل من عدة مميزات تأتي مجتمعة على شكل ثنائيات لتصبح مصفوفة قوة ومبدأ وإستراتيجية سيطرة وهيمنة. وهذان العالمان يعتقدان أن هذا الخطاب عمّم كونيا تعاليمَ الحداثة الأوربية والأمريكية (بوصفها جزء من مشروع الإمبريالية) رافضا منح الشرعية لطرق جديدة من التفكير وتقييم العمليات في بقية أنحاء العالم، ومولدا تقليده/تقاليده في الفلسفات والنظريات المعرفية وكذلك ممارساته الخاصة. وهما يريان أن هناك حاجة ليس فقط لدراسة النظريات الاجتماعية بل أيضا مجمل ممارسات إنتاج وإعادة إنتاج المعرفة الاجتماعية ضمن الدول القومية والأقاليم. وينبغي فحص هذه الممارسات من حيث صلاتِها العضوية بالخطاب المهيمن بحيث يشير كل تفكّر من هذا القبيل إلى طرق معممة كونيا ومتنوعة لفهم هذه الصلات التعايشية (كيخانو 2000؛ لاندير 2002؛ ميغنيلو 2002).

من الواضح أن النظريات الاجتماعية (أنظمة من المفاهيم والفئات وأنماط الشرح المترابطة والتي تصمَّم لتمنح العالم معنى) مشبَّكة في مشاريع معيارية (أنظمة من التفكير والاعتقاد تُعنى بإيجاد طريقة لتحسين المجتمع). أحيانا يعلَن عن هذه المشاريع المعيارية صراحة ولكنها غالبا ما تناقَش ضمنا. وهذه المشاريع المعيارية تُعتبَر مشاريع قوة مرتبطة بالإمبريالية (كونيل 2006؛ باتيل 2006؛ فاليرشتاين 1996).

كان علم الاجتماع النقدي والتفكّري أول علم يبادر بمناقشة العلاقة التعايشية بين المعرفة والقوة بما في ذلك تلك العلاقة الخاصة به. ولكن كما أُشير إليه آنفا فهناك حاجة لفحص العلاقة بين المعرفة والقوة ليس فقط من حيث النظريات ولكن أيضا من حيث مجمل الممارسات. واليوم تعيد العولمة أيضا تنظيم المعرفة ومؤسساتها بطرق جديدة وأصيلة. هل يمكننا أن نحدد الطريقة التي تؤثر فيها هذه العملية على طبيعة المعرفة الاجتماعية ؟ كيف تؤثر القوة وهيمنتها، بمظاهرها المركبة والاستعمارية والاستعمارية الجديدة والأبوية والاستطرادية والقومية والمادية، على نظرية المعرفة ومطالبتها بمعرفة الحقيقة واستراتيجيتها في التمثيل ؟ لمن تعود الأفكار والمنظورات التي تعكسها عندما تذكر طبيعة نتائج العولمة ومحتواها ؟ ما العلاقة بين المعارف القومية والإقليمية والعالمية ؟

يرى دوسيل (2000) و كيخانو (2000) أن هناك حاجة لإقامة "مشروع تحرري أخلاقي على امتداد العالم" والذي به يمكن تحقيق الغيرية من خلال استحداث معرفة جديدة حيث تحقق الحداثة وغيريتها المرفوضة، أي ضحاياها، بعضها بعضا في عملية متخيَّلة. ويُعتبَر تجاوز استعمارية القوة وتبني عبور الحداثة مشروعا للتحقيق المتبادل للتضامن بين الثنائيات التالية: المركز/المحيط والرجل/المرأة والإنسان/الأرض والثقافة الغربية/الثقافات المحيطية ما بعد الاستعمارية وكذلك بين الأجناس المختلفة والأعراق المختلفة والطبقات المختلفة. هل بإمكاننا تحقيق هذا المشروع على المستويات الوجودية والمنهجية والنظرية ؟

 

***                          ***                    ***                    ***                    ***                    ***

 

فيما يلي أقدّم بعض الخطوات التي تتيح البدء بمشروع من هذا القبيل. لطالما رُفض النقد الموجه للمعارف المهيمنة من حيث النسببية و/أو النزعة العرقية. بالاقتباس عن تيلر، أعتقد أن هناك حاجة لقبول نظرية ثقافية للحداثة (بدلا من نظرية غير ثقافية) وأن ذلك يمكن بناؤه من العديد من المواقع وفي العديد من المواقع ومن الخلال العديد من المواقف. غايتنا هي مناقشة كافة الطرق التي كانت فيها القوة ولازالت تشكّل ممارسات المعرفة الاجتماعية على امتداد العالم. وهدفنا هو استحداث نقاش عن كيفية تقييم مناحي علم الاجتماع المنظَّم والممَأسس على امتداد العالم، أي الأفكار والنظريات، والعلم والعلماء، والممارسات والتقاليد، والانقطاع والاستمرار من خلال منظور معولِم يفحص العلاقة بين المعرفة الاجتماعية والقوة.

بالنظر إلى أن العلاقة بين المعرفة والقوة يمكن أن تُبنى بطرق مميزة على امتداد العالم وضمن الدول القومية، فهناك حاجة لفحص موارد علم الاجتماع على ثلاثة مستويات. على المستوى الأول، هناك حاجة لدراسة التقاليد التأديبية من مواقع عديدة، أي ضمن الأحياء والدول القومية والأقاليم والعالم. غير أن الدولة القومية عنصر أساسي في تصميم تقاليد علم الاجتماع. وتحدد الدولة القومية التقاليدَ الاجتماعية بعدة طرق.

وهي تقوم بذلك مباشرة. وسواء كانت ديموقراطية أو سلطوية أو فاشية أو اشتراكية أو دينية، فهي تلعب دورا حاسما في إضفاء الشرعية على الحاجة إلى علم الاجتماع ومهمته في المجتمع. تشجع الديموقراطيات عموما تدريس علم الاجتماع. والأمر مختلف بالنسبة للدول التي نشرت الفاشية والشيوعية والدينية والفصل العنصري والدكتاتوريات العسكرية، فهذه الدول حظرت تدريسه و/أو فرضت عليه رقابة.

في البلدان التي لا يُحظر فيها هذا الموضوع يمكن للدولة القومية أن تتدخل بطرق لا تُعد ولا تحصى، بما في ذلك عندما تضطلع مؤسسات خاصة بدور مباشر. وهي تقوم بذلك من خلال سلسلة من السياسات والقوانين المفروضة على التعليم العالي والتي تشجع تطوير علم الاجتماع وتقيّده في آن واحد. وتحدد هذه السياسات أصول وممارسات عمليتي التعليم والتعلُّم، وإطلاق البحث العلمي وممارساته في معاهد البحوث، وتوزيع المنح للبحوث، ولغة التفكُّر، وتنظيم المهنة، وتعريفات العلم والعلماء.

بالرغم من وجود تقاليد خاصة بالمجتمعات اللغوية، إلا أن أفضل طريقة لفهم التقاليد التأديبية المختلفة تكمن في تصورها بأنها نُظِّمت ضمن الدولة القومية بعد الحرب العالمية الثانية، فتصورها بهذه الطريقة يمنحنا أهم بيئة مكانية وسياسية لتقييم هذا التاريخ بالإضافة إلى تقييم التناقضات والخلافات العديدة التي حددت الصلات العضوية بين هذا التقليد/التقاليد. وحسب ورقة البحث هذه، فإن المعرفة الاجتماعية متراكبة في هوية الدولة القومية وضمن سياساتها.

ومن الأهمية بمكان أيضا أن نؤكد، ونحن نتبع في ذلك سميث و جيدينز و بيك (السابق ذكرهم)، أن موارد علم الاجتماع بحاجة إلى أن يُنظر إليها من أعلى الدولة القومية ومن أسفلها. فعلى سبيل المثال يبقى المجال المتمثل في الموقع فئةً أساسية لبناء موارد علم الاجتماع. ولكن هذه الموارد تبقى بالضرورة متفاوتة وإقليمية. ولذلك يستطيع المرء، ضمن كل دولة قومية، أن يقيَّم نقاط الانطلاق العديدة والإنجازات العديدة والإخفاقات العديدة والاستمرار والانقطاع المتكررَين. وهذا الصعود والهبوط المتكرران والمتعلقان بتنظيم التقاليد الاجتماعية وتعزيزها ومأسستها ينطوي على مواجهات بين التقاليد المعمَّمة كونيا المهيمنة والتقاليد التابعة الناشئة حديثا. وبهذا المعنى هناك تنوع في التقاليد الاجتماعية ضمن الدول القومية وسيستمر هذا التنوع.

لا توجد هذه التنوعات ضمن الدول القومية فحسب بل أيضا بين بعضها بعضا. ولأن تاريخ التقاليد الاجتماعية في الدول القومية متشكِّل على نحو مختلف بين الدولة والدولة، فإن الخبرة الجماعية في نمو التقاليد الاجتماعية وانتشارها عبر العالم متنوعةٌ ومنظمةٌ على نحو متفاوت وستبقى هكذا. ويرتبط هذا التفاوت بعلاقة كل تقليد مع تقليد أوروبا ولاحقا مع تقليد الولايات المتحدة ويرتبط مع الطريقة التي وصلت بها هذه التقاليد إلى التعميم الكوني على امتداد العالم.

يرتبط التعميم الكوني لتقاليد شمال الأطلسي بالتوزيع العالمي للقوة (فالترشتاين 2006). وبهذا المعنى نحاول في هذه الورقة البحثية تجاوز ثنائيات التعميم الكوني مقابل النسبية/الاستخصاص (particularism) لنطرح موقفا ثالثا نقترح فيه أن التقاليد الاجتماعية معممّة كونيا ومتنوعة في نفس الوقت. وحسب هذا الموقف، فإن اعتقادات كل تقليد من تقاليد المعرفة الاجتماعية متميزة ومعممة كونيا، غير أن هذه الاعتقادات مجتمعة ليست متكافئة لكنها تبقى جمعيةً أو متعددةً أو هجينة أو قائمة على موقف ما وهي مستندة إلى معايير داخلية بالنسبة لكل من هذا التقليد/التقاليد (تشاكرابارتي 2008).

على المستوى الثاني، هناك حاجة لمناقشة التقاليد من حيث مراسيها الاجتماعية في الفلسفات ونقد المعرفة العلمية والأطر النظرية وثقافات العلم ولغات التفكّر المميَّزة. وهذه بحاجة لأن تُبحث كي نقيِّم كيفية نشوء منظورات جديدة عن فهم الحياة الاجتماعية في مراحل مختلفة من تاريخ علم الاجتماع، وذلك عن طريق مناقشة الأفكار الاجتماعية المهيمنة المعممة كونيا والأفكار الاجتماعية المستعمَرة. كما أن هناك حاجة لفحص كيفية تطور علم الاجتماع ليضم الأصوات التابعة وليستخدم هذه الأصوات لفهم الاندماجات الاجتماعية المتطورة وتقييمها واستيعابها. كما أنها تسلط الضوء على الكيفية التي قامت فيها العمليات الخارجية والمهيمنة بالإضافة إلى الاستعمارية والاستعمارية الجديدة بإعادة صياغة المعرفة، وهي تؤكد وجود حاجة لاستنباط طرق جديدة في التفكير في علم الاجتماع وفي ممارسته بحيث تكون ذاتية النشوء و/أو مستقلة بذاتها.

على المستوى الثالث، تُعتبَر المراسي الفكرية للممارسات الاجتماعية كبيرة. وهناك مواقع متنوعة ومقارَنة لإنتاج المعرفة وبثها. وهي تتراوح من الحملات والحركات والمناصرات إلى غرف الدراسة والأقسام وإلى إعداد المناهج الدراسية وأصول تقييم مقالات المجلات والكتب. ويشترك فيها نشطاء وعلماء ومجموعات من أجل تقييم أحداث وقضايا حالية تحدد عملية البحث، والتفكّر فيها وتوضيحا، ومن أجل تنظيم المعرفة الخاصة بعلم الاجتماع وتنسيقها، وعلى المدى البعيد من أجل توفير عمليات ممأسسة لتنظيم العملية التدريسية.

وهذه التنوعات مجتمعة لا يمكن وضعها على خط واحد واعتبارها متساوية، كما أنه لا يمكن اعتبار بعضها عُلوي أو دوني. وهي معا تقاليد اجتماعية متنوعة ومعممة كونيا وستبقى كذلك لأنها تقدم منظورات مميَّزة ومختلفة لتقييم تواريخها الخاصة في النظريات والممارسات الاجتماعية. كما طور كل تقليد من هذه التقاليد تقييمه الخاص لعلاقته مع التقاليد الأخرى ومع تراكم المعرفة والقوة الاجتماعيتين. وفي هذا المعنى تبقى المنظورات المختلفة للتقاليد متنوعة ومقارَنة، وذلك للسببين التاليين:

أولا، إنها متنوعة لأن كل تقليد يجري تقييمه الخاص لكيفية بنائه ضمن التوزيع العالمي للأفكار والعلماء والعلم (من حيث ما إذا كانت مستوردة ومكيَّفة أم قدِّمت بوصفها أصلانية/ذاتية النشوء/محلية/قومية/إقليمية)، وتقييمه لكيفية ارتباطه بسياقاته بما في ذلك ثقافة التدريس والبحث العلمي، والمؤسسات والدولة والاقتصاد. وعلى الرغم من أن هذه الاعتقادات معممة كونيا، إلا أن التفسيرات بشأن كيفية ترابطها مع تقليد/تقاليد شمال الأطلسي ومع بعضها البعض تبقى مختلفة من دولة قومية إلى أخرى. وبعبارة أخرى، يكون التميُّز في كيفية معارضة كل تقليد لاعتقادات التقاليد القادمة من شمال الأطلسي وتطوير تقييمها الداخلي الخاص لهذه العلاقة. وفي هذا المعنى يمكن أن تُقدَّم التقاليد الاجتماعية معا بوصفها معممة كونيا بتنوع أو متضمنة "التنوعية" (diversality) (ميغنولو 2002: 89).

ثانيا، عطفا على ما سبق يمكننا القول أن علم الاجتماع قد عُولِم منذ ولادته مع التأكيد على خصوصية عملية الحداثة عبر التعميم الكوني للخبرة/الخبرات الإقليمية الأوروبية ولاحقا الأمريكية (تشاكرابارتي 2000). لقد بنى خطابُ القوة التعميمَ الكوني للمعرفة فيما يتعلق بالاندماجات الاجتماعية. وفي هذا المعنى، وبينما تناقَش العولمة بوصفها عملية حديثة، فإن عولمة المعرفة الاجتماعية لها تاريخ طويل.

وفي بعض الأوقات محت هذه العولمةُ تواريخَ سابقة من الحداثات، معيدة تفسير هذه الحداثات، كما أنها أزاحت طرقا من التفكير والكينونة والمعيشة. ونتيجة لذلك، لم تطور بعض التقاليد منظورات ونظريات لتقييم علاقاتها مع التقاليد المهيمنة والمعممة كونيا، رغم الاعتراف بالتقاليد الثانية. وتكيفت تقاليد أخرى مع أفكار خارجية مهيمنة. ومع ذلك قدّمت غيرها من التقاليد نقدا لإرث التبعية والهيمنة لتقيِّم حداثاتها وتتفكَّر فيها. وبينما "أسكتت" عولمةُ المعرفة الاجتماعية تشكيلَ العديد من الأصوات في بعض المناطق والدول القومية، فهي أيضا تحدت الغرب بطرح أسئلة جديدة وقدّمت إجابات جديدة من ميادين أخرى. وهناك حاجة لدمج هذه الطاقات في شبكة اتصالات داخلية ومدوَّلة من شأنها أن تتجاوز مصفوفات عدم المساواة المتعددة المذكورة أعلاه. ويمكن للعمل من هوامش كل الحدود أن يساعد على توفير هوية جديدة. ويواصل الاستخدام الإبداعي والتخيلي لهذه الموارد في البقاء أهم تحدٍ في يومنا هذا.

 

المراجع:

 

Adesina, J.  “Sociology Beyond Despair: Recovery of Nerve, Endogeneity, and Epistemic Intervention.”  South African Review 37, no. 2 (2006): 241-259.

Akiwowo, A.  “Building National Sociological Tradition in an African Subregion.”  In National Traditions in Sociology, edited by N. Genov, pp. 151-166.  London: Sage, 1987.

-----.  “Contributions to the Sociology of Knowledge from an African Oral Poetry.”  In Globalisation, Knowledge, and Society: Readings from International Sociology, edited by M. Albrow and E. King, pp. 103-118.  London: Sage, 1990.

Alatas, H.  “The Captive Mind and Creative Development.”  International Social Science Journal 36, no. 4 (1974): 691-9.

Alatas, F.  Alternative Discourses in Asian Social Science: Responses To Eurocentrism.  Delhi: Sage, 2006.

Albrow, M.  “Sociology for One World.”  International Sociology 2, no. 1 (1987): 1-12.

-----.  Cosmopolitan Vision.  Cambridge: Polity, 2006.

Chakrabarty, D.  Provincializing Europe: Postcolonial Thought and Historical Difference Delhi: Oxford University Press, 2000.

Connell, R.  Southern Theory: The Global Dynamics of Knowledge in Social Sciences. Cambridge: Polity, 2007.

-----.  “In Defense of Provincializing Europe: A Response to Carola Dietze.”  History and Theory 47 (February 2008): 85-96.

Dussel, E.  “Europe, Modernity, and Eurocentrism.”  Nepantla: Views from South 1, no. 3 (2000): 465-478.

Giddens, A.  The Consequences of Modernity.  California: Stanford University Press, 1990.

Giddens, A. and J. Turner, eds.  Social Theory Today.  Cambridge: Polity  Press, 1987.

Gouldner, A.  The Coming Crisis of Western Sociology.  New York: Basic Books, 1971.

Habermas, J.  The Postnational Constellation: Political Essays.  Cambridge: Polity, 2001.

Lander, E.  “Eurocentrism, Modern Knowledges, and the ‘Natural’ Order of Global Capital.”  Nepantla: Views from the South 3, no. 2 (2002): 249-268.

Mani, L.  “Multiple Mediations: Feminist Scholarship in the Age of Multinational Reception.”  Feminist Review 35 (Summer 1990): 24-41.

Mignolo, W. D.  “The Geopolitics of Knowledge and the Colonial Difference.”  The South Atlantic Quarterly 101, no. 1 (Winter 2002): 57-96

Mohanty, C.  “Under Western Eyes: Feminist Scholarship and Colonial Discourses.”  Feminist Review 30 (Autumn 1988): 61-88.

Mukerjee, R.  “A General Theory of Society.”  In The Frontiers of Social Science: in Honour of Radhakamal Mukerjee, edited by B. Singh.  London: Macmillan, 1955.

Mukerji, D. P.  Diversities:  Essays in Economics, Sociology, and Other Social Problems.  New Delhi: People’s Publishing House, 1958.

Mukherji, P. N. and C. Sengupta, eds.  Indigeneity and Universality in Social Science: A South Asian Response.  Sage: New Delhi, 2004.

Patel, S.  “Beyond Binaries: A Case for Self-Reflexive Sociologies.”  Current Sociology 54, no. 3 (2006): 381–395.

Quijano, A.  “Coloniality of Power, Eurocentricism, and Latin America.”  Nepantla: Views from the South 1 (2000): 553-800.

Smelser, N. (1994) “Sociology as Science, Humanism, and Art.”  La Revue Tocqueville 15, no. 1 (1994): 5-18.

Smith, A.  “Nationalism: A Trend Report and an Annotated Bibliography.”  Current Sociology 21, no. 3 (1973).

Taylor, C.  “Two Theories of Modernity.”  The Hastings Center Report 25, no. 2 (Mar - Apr 1995): 24-33.

Wallerstein, I.  Open Social Sciences.  Delhi: Vistaar, 1996.

-----.  European Universalism: The Rhetoric of Power.  New York: The New Press, 2006.