الترجمة المفتوحة

Brett NEILSON

المترجم : JOUAY Mohamed


  • fr
  • en
  • ar
  • الصيغة متعددة اللغات
  • الصيغة البسيطة

>   ترى ما المقصود من الترجمة؟ يدل هذا المصطلح في الواقع على إزاحة الحواجز التي تعترض الترجمة حتى لا تبقى أمام هذه الأخيرة أي مهمة مغلقة أو محدودة. وفي الاستعمال الأكثر تداولا، فإن المصطلح يشير إلى البيئة التشاركية الحديثة للترجمة المنبثقة عن الانترنيت. ويشتغل ممارسو الترجمة المفتوحة في شبكات الإنتاج  أدوات البرمجيات لإنتاج الترجمات التي تصبح متوفرة بحرية لأكبر عدد من الناس، وتكتسي ممارستهم هذه طابعا اجتماعيا وتشاركيا، بينما توفر في الوقت ذاته منبرا يتم من خلاله الطعن في الترجمات على أنها مجرد أعمال مشتقة، وكذا في مؤسسة التأليف  الفردي التي ترتكز عليها الملكية الفكرية. ولم لا تعمل الترجمة المفتوحة على ذلك وهي بهذا تساهم في التصدي لجانب هام من الرأسمالية المعاصرة ؟ هذه المقالة إذن محاولة لدعم مشروع الترجمة المفتوحة، ومساهمة في طرح تساؤلات حول الكيفية التي يقدم المشتغلون بهذه الترجمة عملهم هذا.

 

ينصب اهتمامي هنا ليس فقط على الطريقة التي تتم بها الترجمة المفتوحة، ولكن أيضا على الدوافع السياسية التي تكمن وراء المناصرين لها. وبالاعتماد على الدراسات التي تشكك في فرضية أن ثمة لغات تكون منفصلة بعضها عن البعض قبل أن تتم عملية الترجمة (1997 Sakai  سأحاول أيضا التطرق إلى الكيفية التي تنظر فيها الترجمة المفتوحة إلى العلاقة القائمة بين اللغات. وأود  بهذه المناسبة أن اطرح سؤالا حول  ما إذا كان الفرد الجماعي الذي ينبثق من رحم هذه الممارسات التشاركية للترجمة هو حقا شخصية سياسية قادرة على إنتاج ما هو عام ومشترك. 

 

إن الأمثلة على الترجمة المفتوحة كثيرة ومتعددة، ولا تخضع بأي حال لسلطة النموذج المثالي المتفرد، وتشمل هذه الأمثلة موقعي: « meedan.net » و « global voices.org » إذ  يستخدم الأول أدوات الترجمة الآلية، والترجمة بواسطة الآلة، ويقوم بنشر قصاصات الأخبار والتعليقات باللغتين العربية والانجليزية، فيما يستخدم الثاني الترجمة التي قام أعدها أشخاص- في ثمان عشرة لغة- لنشر  محتوى الموقع الذي يقوم بجمع مدونات باللغة الانجليزية من أكثر من  مائتي مدون ومصادر إعلامية أخرى. وأود أن أذكر هنا أني اعتمد في استقصاء معلوماتي حول الترجمة المفتوحة على مصدر أساسي هو(أدوات  الترجمة المفتوحة) Open Translation Tools، وقد تم إصدار هذا الدليل في يونيه 2009 من طرف  Aspiration و FLOSS التي تعنى بكيفية تركيب واستخدام مجموعة واسعة من البرمجيات الحرة.

لقد جاء دليل "أدوات الترجمة المفتوحة OTT ثمرة عمل ما يمكن تسميته ب"سباق لإنجاز كتاب" ((Book-Sprint ، والذي عقد  بأمستردام على مدى خمسة أيام، حيث تواجد حوالي خمسة عشر مشاركا يعملون  لمدة اثني عشر  ساعة كل يوم ،وذلك من أجل إنتاج محتوى الكتاب. ويمكن  تحميل هذا العمل مجانا على موقع FLOSS في  شكل

برامج حرة للتوثيق( PDF). ويعتبر OTT دليلا شاملا إذ يغطي جميع الجوانب المتعلقة بالترجمة المفتوحة، سواء  تلك التي تتعلق بالجوانب القانونية أم الجوانب السياسية، ناهيك عن الجوانب التقنية.

 

تعّرف "أدوات الترجمة المفتوحة" (2009:11) الترجمة على أنها مجال ممارسة حديث النشأة   قد تفرع عن ثلاث حركات للانترنيت ولعصر المعلومات:

1) المحتوى المفتوح أو نشر الموارد المعرفية بموجب تراخيص من قبيل مواقع:   «  Creative Commons »: أو « Free Documentation » والتي تشجع مبادئ إعادة التوزيع، والتعديل، والاستخدام الواسع.

2)  FLOSS (البرمجيات الحرة المفتوحة المصادر) الذي يقدم بديلا للبرمجيات الاحتكارية، وما يقابلها من البيانات المختلفة، بما يسمح للمستخدمين من تغيير أو تحسين التصميم بفضل توفر شفرة  code المصدر.

3) نماذج الإنتاج المفتوحة التي توظف الطابع التعاوني للانترنيت، والقادر على توظيف موارد بشرية متعددة لتحقيق هدف مشترك.

 

الترجمة إذن «مجموعة من الممارسات والأساليب العملية التي تقوم بترجمة محتوى ما، وذلك باستعمال أدوات FLOSS ، وكذا الاستعانة بالطابع المفتوح لشبكة الانترنيت لتقديم هذا المضمون وتلك الأدوات لأكبر عدد من مستعملي الشبكة، سواء كانوا مساهمين أو مستهلكين". وتهدف كل هذه التطورات الجديدة إلى " الحد من الحواجز التي تقف في وجه المشاركة في عملية التبادل العابر للغات، كما تساهم في الوقت ذاته في تجنب " ثقافة الخبراء" التي تتخلل صناعة الترجمة المهنية. وهكذا تساهم هذه التطورات في تسهيل  الانتقال من الترجمة الفردية إلى الترجمة الجماعية (II).

ويجدر بنا  التوقف هنا قليلا عند مفهوم الانفتاح الذي يرافق باستمرار  هذه التعاريف. إن المصطلح المضاد للانفتاح في هذا السياق ليس "الانغلاق " قطعا ، بل إنه " خاصية التملك .وكما يشير إلى ذلك كيلي (177 : Kelty) فإن  مفهوم الانفتاح هنا  تقني وأخلاقي في آن واحد، إذ  يدور، من جهة، حول البروتوكولات وكذا المعايير وآليات تنفيذها لضمان التشغيل عبر منصات البرمجيات المختلفة ومكافحة الاحتكار لشبكات الكمبيوتر من طرف مصالح تجارية معينة، ويعّبر من جهة ثانية عن أفكار قانونية واجتماعية حول الإنتاج والتوزيع وربما أيضا عن قابلية التغيير والتحويل « modifiability » -  من قبل البرمجيات- لأنواع مختلفة من المحتوى ، على النقيض من الندرة المصطنعة التي افتعلتها حقوق الملكية الفكرية . إن الانفتاح يتجاوز خاصية  العمومية، حيث أنه يرتكز على الخطاب بالمعنى التقليدي للخطابة والكتابة والتجمع. يوفر الانفتاح فرص التعاون وبناء الجماعات المستقلة عن الأشكال التقليدية للسلطة . وتتيح أيضا لكافة المستخدمين إمكانية الانخراط في عملية التنمية ، بغض النظر عن قدراتها أو مصالحها الذاتية. أما بالنسبة للذين يخالفون هذا الاتجاه، كما يقول شنا يدر، "فما عليهم إلا أن يمارسوا طريقتهم في التنمية الخاصة بهم بدون أن يضلوا سبيلهم إلى وسائل الإنتاج". وهكذا بكون الإنتاج شرطا مسبقا لإنجاز ما هو مشترك... لكن ما دامت شرطا مسبقا فليست بالضرورة كافية لضمان استمرار هذه العملية. ولكن مادامت شرطا مسبقا فليست بالضرورة كافية لضمان استمرار هذه العملية. وإذ تبحث  هذه المقالة  ممارسة " الترجمة المفتوحة" ، فإنها تبحث في الوقت نفسه عن مدى قدرات هذا الاكتفاء.إنه بالفعل مهمة مركبة جدا تنطوي على القدرة على  بناء وصياغة ومراقبة وتعديل  البنية التحتية. وفي مقابل هذا فإن المطلوب هنا ألا تستثمر الترجمة المفتوحة أبدا في الحلم الذي ينادي  بمد الجسور بين  الثقافات. المطلوب إذن هو دعم إنتاج ما هو مشترك من خلال ممارسة لترجمة مفتوحة، ترجمة لا تسعى فقط إلى نقل المعلومات بين المجموعات اللغوية، بل تسعى إلى إقامة علاقة تواصل بين مواقع لا   تواصل بينها أصلا.


بين الإنسان والآلة


بالنسبة لوا لتر بنيامين (ص 80،1968) : "تكمن مهمة المترجم في الإفراج في لغته عن تلك اللغة الخالصة التي وقعت تحت تأثير سحر لغة أخرى". ويجوز القول أنه لم يكن في مقدور بنيامين، وهو الذي يكتب هذه الكلمات في عام 1923، أن  يتكهن بأن هذا المفهوم "الصوفي"  حول  "اللغة الخالصة" سيغذي تصور وارن ويفر ،أحد رواد الترجمة الآلية، والجدير بالذكر أن ويفر W.Weaver في ختام مذكرة تقدم بها  سنة 1949 استعمل صيغة مجازية ستصبح  أكثر انتشارا في هذا المجال :

" وهكذا، قد يكون صحيحا-يقول ويفر- أن طريق الترجمة من اللغة الصينية إلى العربية، ومن الروسية إلى البرتغالية لا يعني سلوك سبيل مستقيم، أو الصراخ من لأعلى برج في اتجاه برج آخر. لربما أن الطريق ينحدر من أية لغة تخضع  للقاعدة المشتركة للتواصل الإنساني- اللغة الكونية الواقعية والغير المكتشفة لحد الآن والتي يقد  تنبثق فيما بعد من خلال أي سبيل خاص مناسب-"(ويفر، ص 23، 1955)

إن الحلم بلغة عالمية تتخطى الفوارق بين اللغات وكذا حالات العتمة الداخلية للوساطة وكذا تجاوز الدلالة هو حلم قديم جدا، ويأخذ أشكالا شتى غالبا ما تكون مبتذلة، أو  وجدانية- كما هو الحال بالنسبة لبنيامين- أو لاهوتية.

إن تصور ويفر للغة عالمية غير موجودة في نفس الوقت- هو قبل كل شيء أمر أساسي. وليس من قبيل الصدفة  أن يكون  ويفر قد قام ،صحبة كلود شانون Claude Shannon، بتأليف كتاب بعنوان " النموذج الرياضي للتواصل" (1949)، والذي بين فيه   أن الضوضاء إنما هو مجرد " تدخل في نقل المعلومات". و في مذكرته حول الترجمة، كتب ويفر يقول: "حينما انظر إلى مقال باللغة الروسية، أقول في نفسي: هذا في الحقيقة مقال مكتوب باللغة الانجليزية، ولكن  تمت كتابته برموز مشفرة، والآن سأنتقل  إلى فك هذه الرموز." (18) ولكن بالرغم من عقود طويلة من البحث المضني ، فإن  اعتبار اللغة  رمزا مشفرا قد أسفرت عن نتائج  جد محدودة  في الترجمة الآلية. وفي الوقت الراهن، يفضل الجزء الأعظم من الشبكة العالمية القائمة على  أدوات الترجمة الآلية  منهجيات تستخدم تقنيات إحصائية ومكتبات ضخمة من النصوص  المترجمة لأجل  الترجمة بين اللغات. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن الحلم بلغة عالمية- وقد كان حلما لبنيامين بقدر ما كان  حلما  لويفر- قد تلاشى كليا.

بالنسبة لرالي (Raley 293)، فإن تنامي الترجمة الآلية مرتبط بما يسميه " تقديرا متجددا لكل ما يمكن ترجمته ببساطة وسهولة (كل ما هو غير رمزي، وغير أدبي)، وأيضا برؤية براغماتية جديدة للغة وتبادل المعلومات". تفترض الترجمة الآلية أن اللغات قارة وغير قابلة للتغيير، وتتجاهل البلاغة والسياق، كما تتجاهل  تأثير الصراعات السياسية على الترجمة، على هذا النحو،  فإنها –يقول رالي- "لا تقدم لنا نظرية جديدة للترجمة في سياق العولمة، وإنما بعدا جديدا لها، و بمنطق متجدد أيضا" (293).

أما فيما يخص الترجمة المفتوحة، فإن اللجوء إلى الترجمة الآلية ليس إلا أداة جد محدودة لا تصلح إلا لتخفيف القيود على تدفق العمل التشاركي. و لربما تكون  الصورة المناسبة لذلك هو لفيف من الفعاليات البشرية وغير البشرية (Latour 2005). وهكذا فإن النظرة السلبية للترجمة الآلية، بحكم أنها مدمرة للأبعاد الرمزية والسياقية للغة، يتم استبدالها بنظرة أخرى تكسب الترجمة الآلية دورا هاما في عملية أوسع لنشر الترجمة البشرية.

يشير دليل  "أدوات الترجمة المفتوحة" إلى أن أنظمة الترجمة الآلية هي "دون عتبة الجودة اللازمة لتمكين القراء من  المشاركة في المحادثات والنقاشات مع المتحدثين بلغة أخرى" (2009:11 ) ويوصي الدليل باستعمال الترجمة الآلية حين تكون الأقوى، وذلك بغية الحصول على مسودة ترجمة يتولى الآخرون إعادة تحريرها أو استبداله فيما بعد" (139) . وهذا الأمر يتطلب تصميم وتنفيذ نظم ذات مصادر مفتوحة، قادرة على تنسيق هذه العملية التي يساهم فيها عدد كبير من الناس. وهناك العديد من الخيارات في هذا المضمار،  فيمكن للمنصات مثلا أن تصبح عبارة عن أنظمة حشد مصادر، وهي مفتوحة لمشاركة الجميع، وأنظمة أخرى لا يشارك فيها إلا الأكفاء المعتمدين،  أو مشاركة نظم مختلطة. كما ويمكن لها أن تضم الشبكات الاجتماعية ونظم التقييم التي تمكن مستخدميها من تقييم ترجمات مقدمة من قبل أقرانهم. وتدخل كل هذه الأعمال المنجزة في تطعيم بنك الترجمة الذي يمكن من استرجاعها للاستعانة بها في ترجمات مستقبلية. وتكمن الصعوبة في كون الترجمة المفتوحة أداة تغطية غير مكتملة، فالأدوات القائمة نادرا ما تتفاعل أو تتقاسم المعايير ذاتها في مجال تبادل البيانات (12).

 

يدرك أنصار "الترجمة المفتوحة" بأن " القضايا  الإقليمية والثقافية في أعمال الترجمة لا يمكن أن يكون مبالغا فيها " (13) لكنهم في ذات الوقت لا يركزون على ما يمكن للترجمة أن تعلمنا إياه حول الديناميات الثقافية، وحول دور الحدود في ظل عالم العولمة. أما موقفهم السياسي الوحيد فيتجلى حين يقومون بالاعتراض على أنظمة الندرة والسيطرة التي أنشأها النظام المهيمن على حقوق الملكية الفكرية. والسؤال الذي ينبغي طرحه هنا هو حول ما إذا كان هذا الموقف السياسي يشجع على وجود سياسة للترجمة، سياسة وفية لتلك الأبعاد الثقافية للعولمة. ويبدو أن "أدوات الترجمة المفتوحة" لا تفتقر إلى خطاب يحيط بالدور المنوط بالترجمة في عالم معولم. لنأخذ المثال التالي: الترجمة هي العنصر المفقود في  وسائل الإعلام العالمية المبنية على نظام تشاركي، و الذي  من المحتمل أن يؤدي  إلى فهم دقيق للعالم. ويغدو هذا أكثر صحة لأن  موازين الحوار حول استجابتنا لقضية  تغير المناخ وغيرها من التحديات العالمية... وبينما توفر وسائل الإعلام وشبكات المعرفة المفتوحة نظاما  أفضل للحصول على  المحتوى، فإن حركية البرمجيات الحرة هي الأساس الذي يمكّن  نظما معرفية من أن تولد وتنشأ في مختلف  أرجاء العالم (2009:9).

لقد تم التعبير هنا عن الدور التأسيسي للبرمجيات الحرة يكل وضوح. فأنظمة الترجمة المفتوحة توفر المزيد من الفرص "للتفاهم" وجعل المحتوى "أكثر يسرا" لمواطني العالم" لكن التشارك في  الحصول على الشفرة هو الذي يوفر البنية التحتية الثقافية لأنظمة المعرفة الحديثة النشأة. وهذه بحق صورة مخالفة تماما لرؤية "ويفر" للغة عالمية،  كفيلة بتوفير " قاعدة مشتركة  للتواصل بين البشر" (23) ويقول ديير واتفورد Dyer-Waterford  في هذا المجال بأن حركة  المصدر المفتوح قادرة على أن تخلق ممارسات سياسية جديدة للتوافق الاجتماعين وما يوضع  على المحك هنا هو  إنتاج سند مشترك عبر الإنترنيت  قادر على إعطاء " شرارة الانطلاقة" لعدد من القطاعات الأخرى، كتلك المرتبطة بالموارد الطبيعية أو دولة الرفاه. إن إسناد هذا الدور المحوري للبرمجيات الحرة ذات المصدر المفتوح هو أحد سمات العديد من  الأنظمة المعاصرة المهتمة بإنتاج ما هو مشترك. وما ينبغي بالفعل أن  يكون موضع تساؤل، لاسيما في سياق أنظمة الترجمة المفتوحة، هو كيف تقوم هذه الأنظمة بتهميش دور الترجمة في حد ذاته في تصنيع الموارد المشتركة. وللتدليل على هذا فلسنا في حاجة إلى التذكير بمقولات نظرية كتلك التي قدمها "بومن" (Bauman :20) والتي ترى بأن " الترجمة هي السمة المشتركة لجميع مناحي الحياة"  . و لربما سيكون كافيا الاقتصار على تذكر الدور الذي قامت به الترجمة في تاريخ الملكية الفكرية.

 

الترجمة بوصفها عملا مشتقا


 من بين المسلمات في التاريخ القانوني تلك التي تقول بأن أول قضية حقوق التأليف والنشر في بريطانيا تجعلنا نتساءل فيما إذا كانت الترجمة تشكل عملا قائما بذاته أو مجرد نسخة من الأصل. في سنة 1720 قام ورثة جورج بيرنت (وهو مؤلف لكتاب حول الفلسفة الطبيعية باللغة اللاتينية 1692) برفع دعوى ضد مجموعة من الناشرين الذين أرادوا نشر العمل المذكور  باللغة الإنجليزية . وكما يوضح كرين في  هذا الشأن، فقد اصدر القاضي حكما لصالح محلات بيع  الكتب، مستعملا ما يعرف بحجة لوك (Locke) قائلا بأن المترجمين قد أضافوا من خلال جهدهم شيئا ما إلى النص ، وهم بذلك يصبحون نوعا من المالكين الجدد للعمل الجديد. وقد سبق أن صدر قرار مماثل في الولايات المتحدة في سنة 1853، ويتعلق الأمر بقضية س.ف. توماس Stowe v.  Thomas  التي كانت قد قررت محكمة في بنسلفانيا في شأنها أن الترجمة الألمانية لرواية "كوخ العم توم " لا تشكل نسخة  بموجب قانون المؤلف. وقد بقي الأمر على هذا الحال حتى سنة 1870 إلى أن قام الكونغرس بإلغاء هذا التقليد، وخول المؤلفين شكلا من أشكال الحق في الأعمال المترجمة. أما على الصعيد العالمي فلم يتحقق هذا إلا مع اتفاقية بيرن (Berne) سنة 1886 .ويشير " أدوات الترجمة المفتوحة" إلى أن غياب حقوق الترجمة قبل هذا التاريخ كان نتيجة للحدود اللغوية التي كانت دور النشر تقيمها آنذاك بين اللغات. "ويضيف نفس المصدر" لم يكن هناك أي داع للضغط من أجل حقوق الترجمة، لأن دور النشر لا تشتغل  عبر الأسواق (115) ومن هذا المنظور، يجوز القول أن  مفهوم الترجمة بوصفها عملا مشتقا هو في الأصل مستمد من التوسع الدولي لصناعة النشر.

إن الظهور التاريخي لحقوق الترجمة هو أساسا محاولة غريبة شيئا ما للتحكم في قدرة الترجمة الجامحة لتحدي حقوق الملكية الفكرية. وأن يحدث مثل هذا الشيء في سياق التوسع عبر الحدود لهو أمر في غاية الدلالة. ويلاحظ  أبتر (Apter) أن الترجمة تكشف عن حدود  الملكية الفكرية، بحيث  يجوز اعتبار الترجمة على أنها " جنس غريب نوعا ما، إذ أنها، على عكس القيم الرومانسية التي تمجد الأصل، تقوم  بالرفع من شأن فن النسخ، ولا تعر أي اهتمام لعنصر  الاشتقاق الذي ترتكز عليه. وقد أصبحت هذه العملية أكثر تعقيدا، خاصة في ظل البيئة العالمية الحالية، حيث نلاحظ أن التنقلات التكنولوجية والبشرية تحد من الحواجز بالقدر الذي تزيد في انتشارها. أما بالنسبة لخدمات الانترنيت القائمة على الترجمة، فقد بات الوضع في غاية الحساسية. وبالنسبة لكتزان (Ketzan) الذي يتوقع حلول ترجمة آلية عالمية الجودة قريبا، فإنه يتوقع أيضا أن  خرقا لقوانين الملكية الفكرية سيتم على نطاق واسع، مع العلم  أن الترتيبات القانونية الحالية لا يمكن أن تجاري هذا  السيناريو. ويقترح كيتزان (Ketzan) بعض الحلول: منها على سبيل المثال تبنّي علامة تقول "لا تترجم" من شأنها أن تسمح للمصممين على شبكة الانترنيت التعرف على المحتوى الغير متوفر للترجمة. وبناء على مقترحات مثل هذه، فإن" أدوات الترجمة المفتوحة" (2009:114) أصبحت تطالب بما تسميه بالبحث والدفاع الشرعي عن  Reserch and legal advocacy  معالجة و ترجمة المحتوى الرقمي.

 

  من الواضح أن القانون الذي ينظم الملكية الفكرية للترجمة يوجد من جديد في أزمة، لاسيما وأن التطورات التكنولوجية تتجاوز إمكانية تنفيذه وكأن وضع الترجمة بوصفها عملا مشتقا بات يطغى على مفهوم الأصل. ويبدو أن الأمر  لم يعد يتعلق بذبول الهالة التي تتخلل العمل الفني و التي كانت بالنسبة لبنيامين السمة المميزة لإعادة الإنتاج التقني. إن الاشتقاق لا يعيد إنتاج الأصل ولكنه يضيف معنى آخر في لحظة التقاء مع ما لا يمكن ترجمته. وإذا كان بنيامين قد ربط مفهوم إعادة إنتاج الفن بالإنتاج الرأسمالي للسلع ، فلربما صار الآن من المناسب القيام بتحليل ديناميكية الترجمة قياسا بعمليات المشتقات  المالية. ويلزم التنبيه هنا إلى أن عملية "الموازاة" هذه محفوفة ببعض المخاطر. فمن الأهمية بمكان تجنب اعتبار الترجمة مجرد آلة، خاصة على غرار آلة كتلك التي نجدها في المشتقات المالية والتي تحول الاختلاف إلى لامبالاة، وتختزل كل معالم الحياة وكأنها مجرد نعوت للمخاطرة. إن مقاربتنا  للاشتقاق الكامن في الترجمة، وتشبيهه بالاشتقاق المالي ليدل في واقع الأمر على الكيفية التي انتهى بها  هذا الأخير   ليلعب  في نهاية المطاف دورا مركزيا في  التمويل العالمي. لم تعد المشتقات المالية تعمل فقط  ضمن فئات منتوجات معينة، كالقمح، والقطن، أو مشتقات الشعير. فمنذ الثمانينات كان هناك  توسع سريع للمنتجات المشتقة التي كانت - منذ البداية- موجهة ماليا، بحيث  أن  قيمتها لم تكن  لتفهم على أنها مستمدة من أسعار السلع الأساسية. منذ عام 1990، سادت المشتقات المالية التي يتم تداولها في السوق وفاقت مشتقات السلع، سواء من حيث الحجم أو الأهمية.و كما أصبح جليا مع الأزمة المالية التي بدأت في أغسطس 2007، فإن  مثل هذه المنتجات المشتقة قد باتت تلعب الآن دورا حقيقيا في تحديد أسعار السلع نفسها. وحسب ما يذهب إليه  مارتن ( Martin)، فإن المشتقات تضاعف من الوسائل التي تجعل عملية الربط  ممكنة، وترفع من حجم المعاملات المكرسة للترابط ". وربما كان  من الأجدر هنا الحديث عن المشتقات بصفتها ترجمة وليس الترجمة بصفتها مشتقا. ذلك لأن الترجمة حين تقحم الاختلاف في مواقع غير متجانسة، فإنها لا تسعى بالضرورة (شأنها في ذلك شأن المشتق) "للتجانس" عبر الحدود. وخلافا للعمل الذي يمكن استنساخه تتجاوز الترجمة منطق السلع. وبعبارة أخرى، فإن الترجمة ليست عبارة عن أداة للأصل وإعادة الإنتاج، بل وسيلة مزج للعديد من الخصائص والأشكال.  لا يجوز إذن اعتبار الترجمة على أنها نشاط ثانوي، بل إنها  ممارسة اجتماعية في حد ذاتها.و بالفعل، يمكن للترجمة أن تلعب دورا فاعلا في عملية الطعن القضائي في الملكية الفكرية وفي إنتاج ما هو مشترك وعام. و ليس هذا بالمبالغ فيه مقارنة مع الوضع الذي يحدث فيه توازي مع تطوير البرمجيات ذات المصادر المفتوحة. ولكن مثل هذه التركيبة ليست كافية في حد ذاتها لإيجاد معارضة فعالة. وكلما بقيت الترجمة أسيرة لمتطلبات الاتصال، فإنها ستظل رهينة قبضة رأس المال أيضا.

 

الانفتاح المتعدد اللغات


ظل  المفكر الياباني ساكاي Sakai عبر سلسلة من الكتابات الهامة  يجادل على أن الترجمة لا تقيم جسورا بين اللغات ، وإنما  تفصل فيما بينها. وبشكل أكثر تحديدا،  يتحدث ساكاي عن انفصام جذري بين اعتبار الترجمة وسيلة لتبادل قيم  المساواة بين مجموعات لغوية متباينة و اعتبارها ممارسة  يمكن أن تكون لا متناهية، وقادرة على وصل  مالا يمكن وصله. ويطرح ساكاي  السؤال التالي: هل من الجائز أن نفصل بين اللغات ونقوم  بتصنيفها كما لو كانت وحدات متفرقة، مثل التفاح، وليس كالماء؟ "(27:2006) إن الفهم السائد للترجمة  على أنها إيصال رسالة من لغة إلى أخرى لتقوم بهذا بالذات. والمقصود هنا هو ما يدعوه ساكاي بطابع التجانس أو التماثل  اللغوي"homolingual" للرسالة (4:1997). وفي المقابل، فإنه يصوغ مفهوما مبنيا على الاختلاف اللغوي "heterolingual" حيث يخاطب المرء نفسه كما لو كان أجنبيا يخاطب أجنبيا آخر" (206:75).  يسعى "التجانس اللغوي" من خلال التعامل مع جماهير مختلفة ومختلطة، إلى إنتاج ما هو عام ومشترك.

ويمدد مازاردا Mezzarda  فكرته  عن التجانس اللغوي حين يقوم بالربط بين هذا التجانس  وبين سعي الرأسمال الحثيث  إلى إخضاع  كل أوجه الحياة إلى اللغة المجردة للقيمة، وعلى النقيض من ذلك فإنه يربط بين الاختلاف اللغوي " heterolingual" وبين الممارسات الاجتماعية -المبنية على التعاون والنضال- التي  تدخل في تشكيل فاعل سياسي جديد. والسؤال الذي  يجب طرحه هو: كيف يمكن خلق علاقة بين هذه القوى المحركة للترجمة وبين الذات الجماعية التي تصدر عن الترجمة المفتوحة؟.

 

ومادامت هذه الذات هي نتاج للبرمجيات الحرة، فإنها ملتزمة بالقيام بممارسات مبنية على التعاون والنضال، قادرة على خلق الموارد المعرفية المشتركة ، وفي الوقت الذي ينتقد فيه بعض المفكرين الطريقة "التي تدفع البرمجيات الحرة إلى الاعتماد على اقتصاد رأسمالها حتى تتمكن من الاشتغال" (Shaviro) ، يمكن الرد على هذا القول  بأن هذه الممارسات قادرة أيضا  على فتح فمضاءات تتم من خلالها توسيع مجالات النضال ضد هذا النظام نفسه (Hardt and Negri). ويتخيل هذان الكاتبان «مجتمعا حرا ومفتوحا"، أي مجتمعا تكون فيه الشفرة (code) معلومة لدى الجميع، حتى يتسنى لنا  جميعا الاشتغال سويا وتصبح لنا آنذاك  القدرة على  إيجاد حلول لكل المشاكل، وأيضا القدرة على خلق برامج اجتماعية أفضل" . تكمن القضية في كيفية توسيع نطاق الممارسات المفتوحة المصدر من شبكات الحاسوب إلى المجال الاجتماعي الأرحب. وعلاوة  على ذلك،تطرح مسألة كيفية القيام بذلك ، دون الوقوع فيما يسميه باسكينيلي  Pasquinelli "مأزق" الرقمية، وهو " الاعتقاد في تماثل خالص بين التقني والاجتماعي" . أما الترجمة المفتوحة فتتصور مسلكا مغايرا لذلك، حيث تنتقل  من رمز المصدر إلى مجال أغنى اجتماعيا، ألا هو مجال اللغة والترجمة. والغرض من كل هذا هو إنشاء مجتمعات ملتزمة بمد الجسور فيما بينها  في عالم متعدد اللغات، وملتزمة بصيانة اللغات "الصغرى"، وجعل المعرفة أمرا متاحا  لجماهير العالم"  (FLOSS ) . لكن ربما يكون استعمال كلمة " إقامة الجسور" أعلاه توحي ميلا نحو «homolingual»، الذي يشكل خطرا على نشوء " المشترك" (Common) قائم على الإنتاج بدلا من حقوق الملكية.

تصف "أدوات الترجمة المفتوحة" (2009:11) الترجمة الاجتماعية على شبكة الانترنيت كوسيلة للمترجمين "لكي يصبح هؤلاء نوعا من الجسور، قادرين على البث في المحتوى الذي ستتنا قله المجموعات اللغوية" وبالمقابل، هناك أيضا الحديث عن الاشتغال على ما يسمى" بمؤشر للفهم العالمي global understanding index" -. هنا يتجلى اعتبارنا للترجمة بوصفها نقل رسالة بين مجموعات لغوية منفصلة . ويجوز القول فعلا بأن نموذجا للترجمة كهذا منصوص عليه في أنظمة الترجمة المفتوحة على مستوى الشفرة، و على سبيل المثال، في بناء قواعد البيانات الإحصائية للترجمة بين  "أزواج اللغات" أو في مجموعة من مستخدمي المواقع الاجتماعية. إن تقديم الترجمة على هذا الشكل لا يخدم في نظري مصلحة إنتاج "المشترك"، إذ يعمل على التمييز بين المجموعات اللغوية بعضها عن بعض ويضع  المترجم في موضع سيادة يخوله البت في المحتوى الذي تتناقله هذه المجموعات.

إن أي تصور لنظام ترجمة مفتوحة مناسب « لنسق الاختلاف اللغوي" heterolingual  ليس فقط مسألة حذف صورة الترجمة هذه  من البرامج والكراسات، إنه أيضا مسالة تتعلق بالكيفية التي  تمكن الممارسات الاجتماعية المتعاونة أن تزيح الذات الجماعية المترجمة المفتوحة من موقع التحكيم المحايد. وبالنسبة  لساكاي (75)، فإنه لايمكن للمترجم أن  يتموقع في هذا الموضع لأنه ليس واحدا، فهو ممزق داخليا ويفتقر إلى موقع قار. " ذلك لأن "أنا المتكلم" وال"أنا التي تدل" غير قابلتين للالتحام في الترجمة (74). وهكذا فإنه ليس في مقدور المترجم أن يكون " ذاتا مفردة- بمعنى مشخص، و جزء الذي لا يتجزأ" (75) وكما  يوضح  موريس(( Morris ، فإن القدرة على الترجمة  " ليست ملكا لأشخاص ذوي موهبة، بل هي حالة من السلوك  الاجتماعي (condition of sociality) في غاية التعقيد والتحول". بالنسبة للعديد من الناس، فإن تعلم العديد  من اللغات لا يعد من قبيل البذخ، أو الهبة، أو وسيلة لكسب لقمة العيش، بل إنه بالأحرى عملية فرضت  بفعل قسري من قبل موروثات التاريخ الأليمة". وللترجمة المفتوحة القدرة على تفعيل هذا السلوك الاجتماعي  بكل  ما يحمل  من مورثات، وتمكينه من الانطلاق في عملية تشاركية تكون هي الشخصية السياسية الجديدة ، شخصية جماعية ومتعددة في آن واحد.

إن موضوع الرهان هنا  ليس أقل من إعادة توجيه  الترجمة  المفتوحة، وهذه ليست بالمهمة السهلة سواء من الجانب الفني، أو من الجانب التقني. لكن هذه الرؤية لنظام تعاوني للترجمة من شأنه أن يجمع بين عمل البشر وعمل الآلة، وأن يصهر علاقات اجتماعية جديدة، وأن يتواصل مع جماهير تتكلم لغات مختلفة لا ينبغي أن تكون صعبة المنال. إن خصائص هذه الرؤية: "المصدر المفتوح" "والمحتوى المفتوح"، و"الند للند" لتشير إلى إنتاج للموارد المشتركة في عالم التكنولوجيا الرقمية. وكذلك، ينطوي  النقد الموجه للأسس الوحدوية التي ترتكز عليها اللغات على  إنتاج أنواع جديدة من القواسم المشتركة  في المجال الاجتماعي، يضاف إلى ذلك الحاجة إلى إعادة التفكير في عمل الترجمة، وتوجيهها نحو سبل بعيدة عن العمل التطوعي وقادرة على مواجهة الحاجة لإعادة تقييم مفهوم  الاستغلال في ظل ظروف العولمة الحالية.

 

 يجب أيضا –في إطار هذه المعالم نفسها-التفكير في خلق برنامج للترجمة يتسم بالمرونة: أما مسألة "محتوى" هذه الترجمة فستبقى مسألة عالقة وغير قابلة للحسم سياسيا. لا شك أن الطريق صعب، وأن أي محاولة لتجميع هذه الأفكار أمر مستحيل. لكن هذه المهمة تدفع المفكرين المهتمين بالجوانب السياسية والثقافية للترجمة، وكذا الترجمة المفتوحة، للتعلم من بعضهم البعض.

 

 

مراجع

لم نر ضرورة لترجمة عناوين المراجع  هنا، لكونها في غالبيتها غير مترجمة إلى العربية، لذا أبقينا عليها خدمة للقارئ العربي في اللغات الواردة في إحالة المؤلف.

 

Apter, E. (2009) ‘What is Yours, Ours and Mine’, Angelaki: Journal of the Theoretical Humanities 14(1): 87-100.

Bauman, Z. (1999) In Search of Politics. Cambridge: Polity.

Benjamin, W. (1968) ‘The Task of the Translator’, in H. Zohn, ed. Illuminations: Essays and Reflections. New York: Schocken Books, 69-82.

Bryan, D. and M. Rafferty (2006) Capitalism with Derivatives: A Political Economy of Financial Derivatives, Capital and Class. Houndmills: Palgrave.

Dyer-Witheford, N. (2006) ‘The Circulation of the Common’, http://www.geocities.com/immateriallabour/withefordpaper2006.html, accessed 14 August 2009.

FLOSSManuals (2009) Open Translation Tools, http://en.flossmanuals.net/OpenTranslationTools/FM_02Jul09.pdf, accessed 12 August 2009.

Greene, J. (2005) The Trouble with Ownership: Literary Property and Authorial Liability in England, 1660-1730. Philadelphia: University of Pennsylvania Press.

Hardt, M. and A. Negri (2004) Multitude: War and Democracy in the Age of Empire. New York: The Penguin Press.

Kelty, C. M. (2008) Two Bits: The Cultural Significance of Free Software. Durham: Duke University Press.

Ketzan, E. (2007) ‘Rebuilding Babel: Copyright and the Future of Online Machine Translation’, Tulane Journal of Technology and Intellectual Property 9: 205-234.

Latour, B. (2005) Reassembling the Social: An Introduction to Actor-Network-Theory. Oxford: Oxford University Press.

Martin, R. (2007) Empire of Indifference: American War and the Financial Logic of Risk Management. Durham: Duke University Press.

Mezzadra, S. (2007) ‘Living in Transition: Toward a Heterolingual Theory of the Multitude’, Transversal, http://translate.eipcp.net/transversal/1107/mezzadra/en, accessed 15 August 2009.

Morris, M. (1997) ‘Foreward’, in N. Sakai, Translation and Subjectivity: On ‘Japan’ and Cultural Nationalism. Minneapolis: University of Minnesota Press, ix-xxii.

Pasqinelli, M. (2008) Animal Spirits: A Bestiary of the Commons. Rotterdam: NAi Publishers.

Raley, R. (2003) ‘Machine Transl

Sakai, N. (1997) Translation and Subjectivity: On ‘Japan’ and Cultural Nationalism. Minneapolis: University of Minnesota Press.

Sakai, N. (2006) ‘Translation’, Theory, Culture and Society 23(2-3): 71-86.

Shannon, C. and W. Weaver (1949) The Mathematical Theory of Communication. Urbana: University of Illinois Press.

Shaviro, S. (2008) ‘Paolo Virno, Multitude: Between Innovation and Negation’, The Pinocchio Theory, http://www.shaviro.com/Blog/?p=645, accessed 16 August 2009.

Schneider, F. (2006) ‘Collaboration: Some Thoughts Concerning New Ways of Working and Learning Together’, http://roundtable.kein.org/node/525, accessed 12 August 2009.

Weaver, W. (1955) ‘Translation’, in W.N. Locke and A.D. Booth, eds. Machine Translation of Languages; Fourteen Essays. Cambridge: MIT Press, 15-2.